أحمد خزيم الخبير الاقتصادي: لا يصح مطالبة المواطن بتناول «طقة واحدة» ثم نرفع مرتبات المسئولين
استمرار الحال بهذه الطريقة سيقودنا لدائرة جهنمية
226 مليار جنيه فاتورة الرواتب و«العجز» يتضاعف
الاقتراض تجاوز كل الحدود الآمنة لأى دولة بالعالم وهي نسبة 60 % من الناتج القومي
ما يحدث في مصر إصلاح مالي لا إصلاح اقتصادي
إذا استمر انهيار الطبقة الوسطى ستزداد نسب الجريمة والعنوسة والإدمان والمرض والسرقات
إذا لم يتغير منطق الإدارة فلن ينصلح حال البلد
الناس لم تعد تثق في قرارات من يدير الاقتصاد المصري
رغم تحرير أسعار الطاقة والجنيه.. رقم العجز لم يثبت لكنه تضاعف
تحديد حد أدنى وأقصى للأجور علاج للآثار الجانبية وليس المرض
أجراس إنذار عدة أمسك بها الخبير الاقتصادي، المستشار أحمد خزيم، دق بها محذرًا من أزمات اقتصادية طاحنة تنتظر مصر حال استمرار الحكومة في اتباع سياسة الاقتراض من الخارج، وتجاهل القطاعات الاقتصادية التي يمكن الاستفادة منها، وفي الوقت ذاته إيقاف نزيف الخسائر المستمر بسبب «الدولارات المستوردة».
«خزيم».. التزم طوال دقائق الحوار معه بـ«أبجدية الأرقام والوقائع»، لم يلجأ إلى المصطلحات العميقة الجوفاء، ولم يتخذ من «التنظير» سبيلًا، حيث أكد أن استمرار عجز الموازنة يجب أن تتم مواجهته بـ«سؤال الحكومة» والإدارات المختلفة، مطالبًا برفع شعار محاسبة «المسئول عن العامل وليس العامل»، لأنه الطرف الذي يجب أن يكون لديه هدف يريد تحقيقه مقابل الراتب الذي يدفعه للعامل.
وإلى نص الحوار :
*بداية.. كيف ترى اتجاه الحكومة في الفترة الأخيرة للاقتراض لسد عجز الموازنة؟
عندما ذهبنا إلى صندوق النقد الدولي، كان العنوان الرئيسي حينها «سد عجز الموازنة»، وتم توقيع اتفاق مع الصندوق انعكس على الشعب المصري بالكثير من المشكلات، تحت عنوان «العلاج المكثف للعجز في الموازنة»، واليوم وبعد مرور ثلاث سنوات، وبعد هذه السلسلة من الإجراءات، بداية من تحرير كل أسعار الطاقة والخدمات، وضريبة القيمة المضافة، وتعويم الجنيه، وكل هذه الأمور التي تمت، بالنظر إلى أحدث موازنة لعام 2017/ 2018، نجد أنه حتى رقم العجز لم يثبت، لكنه تضاعف، وهذا أبسط دليل على أن الإدارة التي تدير الاقتصاد المصري إدارة لا يستطيع الناس أن يثقوا في أي قرار تتخذه.
*من واقع متابعتك لمجريات الأمور.. ما النتائج التي ترتبت على الاقتراض الخارجي؟
نتج عن هذا أن الاقتراض تجاوز كل الحدود الآمنة لأى دولة في العالم، وهي نسبة 60% من الناتج القومي، وأعلن وزير المالية أن النسبة وصلت إلى 110% من الناتج القومي، وبالتالي كل هذا أدى إلى ما يسمى بالدائرة الجهنمية، بمعنى أن كل عجز يستتبعه إقراض، وكل إقراض يتبعه ارتفاع الأسعار والتضخم، وركود تضخمي، إضافة إلى تقليل الإيرادات، وعجز أكبر.
*في الموازنة الأخيرة التهمت الأجور والمرتبات نسبة كبيرة من الموازنة، وكان هذا سببا رئيسيا في اقتراض الحكومة من البنوك أو من الخارج.. تعقيبك؟
هذا عرض لمرض، وليس المرض نفسه، فالاختيارات هي التي تؤدي إلى النتائج، ولهذا نقول إذا كانت الاختيارات خاطئة في الإدارة وفي الأفراد وفي المؤسسات، فالطبيعي أن يحدث هلاك في الموارد، فأى أجر يؤخذ مقابل إنتاج، فإذا لم يكن هناك إنتاج فهذا ليس عيب العامل بل عيب من يديره، حيث إنه لا يمتلك أهدافا ولا محاسبة على النتائج، ولا يولي أهل الكفاءة محل أهل الثقة، فالطبيعي أن تكون تلك هي النتيجة، فهذا الأجر ليس مقابل إنتاج ما أو خدمة ما، فإذا كانت الدولة تستهلك الآن 226 مليار جنيه من موازنتها في الرواتب بلا عائد، فالعامل لا يُلام، بل أصبح من الواجب محاسبة تلك المؤسسات والقطاعات ورؤسائها أولا على الهدف الخاص بها وحجم إنتاجها، وللأسف عندما تغيب المحاسبة فالذي يدفع الثمن هو الأجيال القادمة والشعب.
*برأيك.. هل تحديد حد أدنى وأقصى للأجور يمكن أن يخفف عجز الموازنة وبالتالي يخفف عمليات الاقتراض؟
هذا علاج للآثار الجانبية وليس المرض، بماذا يفيد تحديد حد أدنى وأقصى للأجور إذا كانت العملة المصرية فقدت 70% من قيمتها، فإذا كان اليوم حجم التضخم بفعل فاعل من البنك المركزي في طباعة نقود بلا غطاء وصل لـ35% وفائدة 17%، فكيف تعمل أي منشأة صناعية بهذه الفائدة دون ارتفاع في الأسعار، والقوة الشرائية لما تمتلكه من مال تنخفض.
*هل تتعارض عمليات الاقتراض التي تمت خلال الفترة الماضية مع إجراءات الإصلاح الاقتصادي؟
مصطلح «الإصلاح الاقتصادي» يعتبر في الأساس خطًأ اقتصاديا، لأن هذا يسمى إصلاحا ماليا ونقديا، فالإصلاح الاقتصادي هو أن تكون هناك رؤية لمكونات أي دولة وقطاعاتها، والمزايا النسبية في أقاليمها، وإذا طبقنا هذا على مصر، الدولة التي تمتلك مليون كيلو متر مربع بأقاليمها المختلفة، نرى أنه لا توجد رؤية واضحة ببرامج زمنية ودراسات جدوى عن 5 قطاعات يتمتع بها الاقتصاد المصري، واقتصاديات كل قطاع فيها كفيل بألا يجعل وضع العجز في الموازنة بهذا الرقم.
*أصبحت الآن بعض الهيئات تلجأ إلى الاقتراض برغم أنها تحقق أرباحا.. كيف تفسير ذلك؟
هناك 3 ثقافات للاقتراض تحكم مسئولي القطاعات الوسيطة في مصر، الثقافة الأولى هي ثقافة التبرع أو "الشحاتة"، والثقافة الثانية هي الاقتراض بشراسة، والثقافة الثالثة هي عدم المحاسبة والتبرير بالتصريحات، ويكفى أن الصناديق الخاصة يتم معالجتها بطريقة تجعل المواطن لا يرغب في دخولها، لأنه يعلم أنها الباب الخلفي للمكافآت وخلافه، فلا يصح أن نتحدث عن الصالح العام ونطالب المواطن بأن يتناول «طقة واحدة» في نفس الوقت الذي ترتفع فيه مرتبات الوزراء والمسئولين، فهذا منطق معكوس.
*اجتماعيا.. ماذا سيحدث إذا استمرت الحكومة في اتباع سياسة الاقتراض؟
إذا استمر ما يحدث الآن من انهيار الطبقة الوسطى، فسوف يؤدي هذا إلى زيادة نسب الجريمة والعنوسة والإدمان والمرض والسرقات، وستدفع الدولة أضعاف هذه الأرقام التي توفرها من إلغاء الدعم ورفع الأسعار في الحماية الأمنية والمستشفيات ومراكز الحماية الاجتماعية، وإجمالا إذا استمر الحال على هذه الطريقة فنحن ذاهبون إلى دائرة جهنمية، وإذا لم يتغير منطق الإدارة فلن ينصلح حال البلد.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"