رئيس التحرير
عصام كامل

ترامب وإيران واللعب بالعرب!


لم تشهد السياسة الدولية في تاريخها، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حقبة أحط في إدارة علاقات الدول ولغة التخاطب فيما بينها أحط وأحقر من الفترة الحالية، وبالذات في العهود الأمريكية الثلاثة، لثلاث رئاسات متتالية، لبوش الابن ثم لباراك أوباما ثم للتاجر دونالد ترامب.


بوش الابن هو الإرهابي الأول في العالم ويجب محاكمته لجريمته في غزو العراق كذبا وتدميره وتفتيته وصنع المنظمات الإرهابية وآخر نسل لها داعش!

أوباما تآمر على المنطقة كلها، ومضى ينفذ، وهو ديمقراطي، خطط الجمهوريين، وبالذات سياسة الفوضى الخلاقة التي وضعتها ونادت بها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية في حقبة بوش الابن الثانية، وهكذا أطلق ربيع الخراب العربي من تونس إلى ليبيا إلى مصر إلى سوريا!

الثالث تاجر فاجر فاضح فج هو دونالد ترامب، وبالمناسبة كلمة ترامب، وهي اسمه، تعني الورقة الرابحة، رابحة فعلا من جيوب العرب!

هو جامح وتصادمي وعدو لإعلام بلاده وللدولة العميقة فيها، لكنه يعرف كيف يحلب البقرات بمزاجهن! وقبل يومين فاجأ ترامب الدنيا والعرب بالذات أنه على استعداد للقاء الرئيس الإيراني، وكان قبلها بأربعة أيام يهدد حياة ووجود حسن روحاني الرئيس الإيراني نفسه، وحذره من الاستمرار في توجيه لغة تهديد للولايات المتحدة.

ثم كتب أمس تويتة، قال فيها إنه يشعر بقرب اللقاء مع القادة الإيرانيين! يشعر بقرب اللقاء! شكله داخل على رق الحبيب!

هذه المسكنة الطارئة استقبلها الإيرانيون بالسخرية، ولم يأت رد من القيادة الإيرانية نفسها بل رد نائب قاسم سليماني رئيس الحرس الثوري أن ترامب رجل سياسة هاو، ولن يقابله أحد! ورد مسئول إيراني آخر أن إيران ليست كوريا الشمالية..

ومن الواضح أن ترامب يسعى لمثل هذه الاختراقات السياسية بحثا عن الشو السياسي وصرفا للأنظار عن التحقيقات الجاري حول علاقة الروس بنجاحه في الانتخابات الرئاسية، دون نتائج حقيقية، وفعل ذلك مع أصعب وأشرس مجنون في العالم تجاوز ترامب نفسه في الجموح والجنون، وهو كيم جونج أون، وتم التصوير والابتسامات والسلامات والتعهدات، وأخيرا ظهر لأقمار التجسس الأمريكية استمرار العمل النووي سرا في كوريا الشمالية، واللقاء كان عملا تليفزيونيا للطرفين، استفادا منه معا، وكذلك لقاء ترامب مع بوتين، كان المقصود أحداث اختراق، وضجيج دولي، لكن المباراة أسفرت عن ابتلاع بوتين للثور الضخم، وهاجمه إعلام بلاده بل وحزبه الجمهوري وصفه بالخيانة والتخاذل في مواجهة بوتين!

لماذا غير ترامب رأيه وتفكيره وعقيدته فجأة تجاه إيران؟

أولا، لا يجوز أن أقول عقيدته، لأنه تقريبا بلا أي عقيدة وضعية أو فوقية، إلا سيده الأعلى الدولار! نرجع للسؤال: ماذا حببه في لقاء الإيرانيين وهم في نظره وعلى لسانه، طول الوقت، رعاة الإرهاب في المنطقة؟ هل إعلان استعداده للقاء طهران، ومغازلة قادتها عمل من أعمال المكايدة السياسية لحلفاء له في الخليج رفضوا الاستمرار في الاستنزاف المالي، وتجريف الثروة لحساب تخويفاته المتصلة من الغزو الإيراني الوشيك؟

العقل الموضوعي يستبعد أن تكون ثمة رفض لما يطلب لبناء الاقتصاد الأمريكي، مليارات ومليارات من السعودية ومن الإمارات ومن الكويت، ومن قطر! يستنزف الخزائن العربية تحت دعوى الخطر الإيراني.

لا يمكن تفسير رغبة ترامب في لقاء الإيرانيين الإرهابيين دون أن يكون المال هو الرقم الغائب أو الحاضر في موقف ابتزازي!
توجد واقعة مماثلة لهذا التاجر الشاطر الفاجر، فقد فاجأ العالم قبل شهور بعيدة برغبته في سحب القوات الأمريكية جميعا من الأراضي السورية!

لو فعلها، لترك سوريا كاملة للروس وللإيرانيين، ولتخلي عن الأكراد وعن خونة الجيش الحر، لكنه أعلنها لأنه كان يضغط لتتولى دولة خليجية الإنفاق على الحملة العسكرية الأمريكية في سوريا، وواضح أنه تمت تسوية الأمر وتم الدفع، لأنه رجع وقال سنبقى!

هو إذن لا يحترم سوى مصالح بلده ومصالحه، ولا عيب عليه أبدا، بل العيب علينا أن نعرف نصابا سياسيا يلعب بالبيضة والحجر، وعيب علينا لو صدقنا أو استمررنا في تصديق أن إيران تكره أمريكا وأمريكا تكره إيران!

حسنا الكراهية موجودة لكن المنافع والمصالح أعلى نفعا، دون إيران ما استمر تخويف الخليج، وما استمر ابتزاز الخليج.. ودون أمريكا في المنطقة ما واصلت إيران المتاجرة بالشعارات الإسلامية، وسحق إسرائيل، وتجنيد المأفونين سياسيا ودينيا لحساب الوهم الذي يسيطر على الذهنية الدينية لآيات إيران المسخ!

كلاهما يلعب بنا، ويستنزفان ثروات الشعوب.

أتمنى أن يخرج حاكم عربي يقول لنا هل سأل ترامب عن حالة الرغبة الحارقة التي اجتاحته للقاء قادة طهران؟ ما أسبابها؟ ولمصلحة من؟

التقلبات التي تطرأ على السياسة الأمريكية تقلبات سوق، لأنه لا توجد سياسة، يوجد فقط عرض وطلب، نفس منهج المقايضة هذا اتبعه ترامب مع دول الناتو وأرغمهم على دفع ٣٤ مليار دولار في موازنة دفاع الحلف، ونفس المنهج يتبعه في حرب الرسوم الجمركية على واردات بلاده من الألومنيوم والصلب والسيارات.. وهي حروب تجارية شرسة تدور حاليا مع الصين وكندا واليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي!

أحسب أن القادة العرب يرون بالطبع هذا أعمق وأشمل، وأن خريطة التحالفات مع ثور هائج ستَجرفها الريح تحت وقع حوافره ! وأحسب أن حان الوقت لنقول: كفى أنتم وإيران أصدقاء علينا!
الجريدة الرسمية