حكاية الرصاصة التي أنقذت الثورة
مرت 66 عاما على ثورة 1952، ومازال هناك العديد من الأسرار نكتشفها كل يوم عن قادة الثورة والضباط الأحرار، ورغم وجود حالة من التعتيم على ما فعله الأبطال إلأا أن التاريخ يوما سينصف المظلوم منهم، ويسلط الضوء على بطولاتهم، فمن منا يعرف أنه لولا شجاعة وإقدام المشير عبدالحكيم عامر ليلة الثورة ما نجح الضباط الأحرار في اقتحام مبني القيادة العامة، والقبض على كبار القادة وما كتب النجاح للثورة، وربما كنا سمعنا اليوم عن إعدامهم..
القصة بالتفصيل كما جاءت على لسان عبدالناصر وكل الضباط الأحرار وعلي لسان المشير عامر نفسه، حيث أكد أنه ليلة الثورة كان يتفقد هو وعبدالناصر الأحوال، وتم القبض عليهما من قبل إحدي سيارات الدورية، ولكن أفرج عنهما بعدما تعرف عليهما قائد إحدى المركبات، والذي كان من الضباط الأحرار، وعلي الفور خرجا مسرعين وارتديا ملابسهما العسكرية، وتحرك جمال عبدالناصر إلى سلاح الفرسان ليشرف عليه بنفسه، وذهب المشير عبدالحكيم عامر إلى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، وهناك دارت معركة قصيرة مع حرس القيادة، الذي حاول منعهما من الدخول والاستنجاد بباقي قوات الحرس لمنع المشير عبدالحكيم عامر ورفاقه من الاقتحام..
اضطر عامر لإطلاق طلقة نارية على الجندي، وهو القتيل الوحيد في ثورة 1952 من جراء اقتحام مقر القيادة العامة، وبعدها سلمت القوة بأكملها نفسها، ودخل عامر ورفاقه إلى المقر، وتم إلقاء القبض على ضابط برتبة فريق واثنين من اللواءات، وقبل بزوغ الفجر كتب عامر بيان الثورة، والذي أذيع وكتب الله للضباط الأحرار نجاح ثورة 1952، وكان عامر ممن يحبون الصمت، ولا يريد الحديث كثيرا عن هذا كعادته في كل الأمور التي كانت تخص القوات المسلحة، ولم تبهره الأضواء، ولم يكن أحدا يعرف أن عضو مجلس قيادة الثورة الصاغ عبدالحكيم عامر كان يدير شئون القوات المسلحة، ويشرف على شئون الجيش إلى أن أعلنت الجمهورية، ولأن القانون لا يعطي لرئيس الدولة حق قيادة الجيش فقد تم اختياره وزيرا للدفاع.
وفي مذكرات السادات قال في شهادته عن عبدالحكيم عامر، "هو عامر الذي قاد الجنود ثم تقدمهم واقتحم بهم المبني، وهو يحمل طبنجته تماما مثلما فعل ذات يوم في فلسطين، عندما تقدم وفي يده مسدس، ومن خلفه عساكره واقتحم مستعمرة "نتساليم"، وكان تصرفه ذلك أشبه بالأساطير التي ترويها لنا جداتنا، ولولا أنه رقي إلى رتبة صاغ استثنائيا لما عرف ماذا صنع يوم "نتساليم"..
إنه صامت على الدوام لا يتكلم أبدا عن نفسه، وأعصابه تبدو كأنها في أعماق الجليد، لقد كان عبدالحكيم عامر دائما باسلا حاسما يخوض معاركه بإيمان راسخ متين، وأعصاب تبدو ساعة المعارك كأنها الفولاذ".
انتهت شهادة السادات التي تؤكد الدور البارز للمشير عامر في نجاح ثورة 23 يوليو 1952، ليرد به على كل من حاول تزييف التاريخ، وهي نفس الشهادة التي قالها صلاح نصر في مذكراته.
فقد كانت العلاقة بين ناصر وحكيم خاصة جدا ترتقي إلى أعلي المراتب، ووضعا معا تفاصيل الثورة، وخططا لها وحملا أرواحهما على أكفيهما حتى نجحت الثورة، والكل يذكر أن الصدفة وحدها هي التي قادت عامر للالتحاق بالكلية الحربية، رغم أنه كان ثوري منذ صغره، وشارك في العديد من المظاهرات في المنيا، وكان يأمل الالتحاق بكلية العلوم حبا في الكيميا لولا المرض الذي تسبب في عدم حصوله على مجموع كلية العلوم والتحق بكلية الزراعة..
وارتضي بذلك إلى أن لاحظ أن أحد زملائه في الكلية كثرة الغياب فسأله عن السبب، فأكد له أنه قدم أوراقه للالتحاق بالكلية الحربية، وأن آخر ميعاد للتقديم غدا، فذهب عامر إلى الكلية الحربية وقدم أوراقه وخاض الاختبارات، والتحق بالكلية الحربية عام 1939 ونقل إلى أسوان 1940، والتقي هناك لأول مرة بجمال عبدالناصر.
المشير عبدالحكيم عامر خاض حرب فلسطين إلى جانب اللواء محمد نجيب عام 1948، وكان له دور بارز فيها، وجرح في ميدان القتال، وتخرج في كلية أركان حرب عام 1949، وكان ضمن أربعة ملازمين أوائل نجحوا في امتحان أركان الحرب منهم صلاح سالم.
كان بيته هو مهد الثورة، حيث كان يلتقي الضباط الأحرار فيه لعمل الاجتماعات، وكانوا قد ألقوا على كتفه أعباء كثيرة من مهام حركة التحرير، ولعب دورا كبيرا في خلع الملك فاروق، وهو الذي أعد بيده خطة الانقلاب ليلة الثورة ويعتبر ثاني اثنين قاما بتكوين لجنة الضباط الأحرار، وهو من كتب بيان الثورة الذي أذاعه السادات.
تولي منصب مدير مكتب رئيس الوزراء حينما كان محمد نجيب رئيس الوزراء، وكان يشرف بنفسه على جميع الأسلحة الخاصة بالجيش، وعين قائدا عاما للقوات المسلحة في 18 يونيو 1953، ورقي إلى رتبة لواء في أول مرسوم بعد إعلان الجمهورية، وعام 1955 حطم احتكار بيع الأسلحة لمصر، واستطاع الحصول على السلاح للجيش من تشيكوسلوفاكيا، وتم تكليفه بالسفر وتمثيل مصر في المنتديات العالمية، كما قام بدوره العسكري والسياسي أيضا.