رئيس التحرير
عصام كامل

النموذج الأفشل


تخيل أنك مسئول عن إعالة أسرة كاملة، أو حتى تعول نفسك فقط، وتبذل يوميًا في مهنتك الوظيفية قصارى جهدك بمنتهى الشرف والإخلاص، وفجأة وفى ظل ظروف اقتصادية واجتماعية طاحنة غير مسبوقة، تجد جهة عملك تستغنى عن خدماتك في لحظات خاطفة بمنتهى الدم البارد، دون أي سابق إنذار، ودون مراعاة لأى اعتبارات مهنية أو إنسانية..


وعندما تشكو أو تبدى استياء مشروعًا من هذا التصرف الأحمق اللا آدمى الذي يقطع عنك مصدر رزقك الوحيد الذي لا تملك غيره، تجد ردودًا متعجرفة وجاهلة، تدلك دلالة تامة عن مدى غلظة القلوب، وضيق الأفق، وعمى البصيرة الذي يتمتع به نفر من الناس، هم أول من يعلم أنهم لولا المصالح المشتركة التي تجمعهم مع (فلان بيه) ما كان يمكن أبدًا أن يكونوا في المناصب المؤسسية التي أنعم عليهم بها مؤخرًا، وهم بكل تأكيد لا يستحقونها..

ولكنها لعبة المصالح يا عزيزى التي أوصلت ممارستها البغيضة حال الإعلام في بلادنا إلى أن يصبح أكبر (صفر) في حياتنا، والنموذج الأفشل على الإطلاق بشهادة جميع المتخصصين النابهين، وبشهادة جموع المواطنين.. والدولة تعلم بالطبع عن طريق قياس الرأى العام بالأسلوب العلمى الصحيح حالة الاستياء الشديدة وفقدان الثقة المطلق من المواطن تجاه وسائل الإعلام الداخلية المختلفة.

وسبب الفشل دوما هو إسناد الملفات إلى غير ذى خبرة، أو إلى أشخاص محدودي الإمكانيات والقدرات، أو ما كان يسمى بعد ثورة يوليو أهل الثقة أو الحظوة أو من تربطهم علاقة بشخصيات نافذة، فقد رأينا قديما وحديثا من يسند إليهم ملف الإعلام، وهم أبعد الناس عنه، أو لأنهم يتمتعون بعلاقات بعينها مع أشخاص بعينهم، دون أن تكون لديهم المهارات والقدرات المطلوبة في هذا الأمر، ثم نبكى على اللبن المسكوب ونتساءل: لماذا فشل الإعلام في تحمل مسئولياته؟!!

المقدمات والممارسات توحى دائمًا بالنهايات.. لذا كانت النتائج مروعة، فلقد تسبب البعض للأسف الشديد بممارساته اللا مسئولة في تدمير أخلاقيات المهنة، فغابت عن عمد معايير الكفاءة والاحتراف، وحل محلها معايير النفاق والتزلف والرياء، وأصبح عدد كبير ممن يعملون في المجال على قناعة تامة بأنه مهما بلغت درجة فشلك، وتواضع إمكانياتك المهنية، فإنه يمكنك بكلمة من فلان أو علان أن تعمل في التليفزيون والإذاعة والصحافة في توقيت واحد (والأمثلة حولنا كثيرة)..

وفى نفس الوقت مهما بلغت درجة كفاءتك ومهاراتك ولم تكن من (شلة فلان أو حوارييه أومنافقيه) تستبعد من كل مكان، وسيتم محاصرتك وخنقك وظيفيا واجتماعيا..

فشل الإعلام يا سادة ليس فشلا للمؤسسات، وإنما هو نتيجة طبيعية لوصول من لا علاقة لهم بفنونه إلى صدارته، والتحكم في أصحابه.. ادرسوا الأمر بعناية فقد ننقذ الكثير بمجرد الخلاص من أهل الثقة وأصحاب العلاقات المريبة بملف الإعلام.. إن عدل الله سبحانه وتعالى سيسود وسيرفع عن جموع العاملين بمجال الإعلام هذه الغمة عما قريب.. والله من وراء القصد.
الجريدة الرسمية