المرأة المستحيلة
امرأة تهوى الحب، تتقن فن الابتسام، تحب بقلبها، وتدير بعقلها، تطلب بلفتة، وتعاتب بنظرة، وتقول كل عبارات الحب بلمسة، إذا تحدثت أنصت الجميع إلى صوتها الرقيق، كأنها تهمس دائما، وتتكلم أحيانا، تحب وهي نائمة فترى في أحلامها أشجارًا في موسم الربيع، وأنهارًا صافية مثل الفضة، تختلس من أحلامها بعض الورود لتبدأ بها يوما مشرقا وجميلا، عطرها الرقيق يملأ المكان، وروحها تنقل الطاقة الإيجابية إلى الحبيب المتعب، والأطفال المشاكسين، وجدران البيت الصامتة، تحب وهي تعمل، فتصبح المبتكرة الناجحة بين أقرانها، تحب وهي تطبخ، فينتقل الحب من أنفاسها إلى أطباق الطعام، ليُضفي عليها مذاقا يحاكى طعام الجنة!
امرأة تطمح إلى الرفاهية، لكنها لا تُلعن الفقر، تحلم في نومها بالقصر والحديقة، وتصحو لتضع لمساتها الجميلة على شقتها المكونة من غرفة وصالة، راضية وقنوعة، لكنها مبدعة وطموحة، تقرأ لكي تفهم العالم، لأن مديرها في العمل، وصديقاتها، وأم زوجها وأشقاؤه، وجارتها الحقودة، وجارها المتلصص، وركاب الميكروباص، والجزار، وبائع الخضار، والإعلامي الذي تتابع برنامجه، والفنانة المفضلة عندها، بالإضافة إلى حبيبها، وأطفالها، كل هؤلاء جزء من هذا العالم، لا بد أن تفهمه؛ لكي تفهمهم!
امرأة تدرك أن حبيبها مثل أي رجل، يعشق الحرية، فإذا تحولت حبيبته إلى سجان، كرهها ونفر منها، تعرف أنه لا يعيش من أجلها فقط، وأن حبه لعمله، وأسرته، وأصدقائه، وهواياته، هو جزء من تكوينه النفسي، لو تخلى عنه سيصبح رجلا مشوها، وليس من الحكمة أن تدخل هي في حرب طويلة للتخلص من كل هؤلاء والاستئثار به، لأنه سيتحول بذلك من حبيب إلى "عبد"، ومن زوج إلى سجين يتعجل انقضاء فترة عقوبته، الحرب هنا يجب ألا تستهدف القضاء على كل الأصدقاء الذين يقضي وقته معهم، والأم التي تأخذ جزءًا من اهتمامه، والهواية التي لا يستفيد منها شيئًا..
لكن التحدي الحقيقي هو وضع خطة تجعل الحبيب ملهوفا على العودة إلى عش الحب، المرأة الذكية في منافسة دائمة مع كل ما يشغل حبيبها، وفوزها في تلك المنافسة يعني أن يفضلها هو على الجميع، بمحض إرادته، فيصبح وقته معها هو الحياة، وغير ذلك عبث ومجرد أداء لواجبات اجتماعية!
امرأة تعرف أن الثقة بالنفس ليست صفة خاصة بملكات جمال العالم فقط، ومن ثم ليس ضروريا أن تتقمص طوال الوقت دور المخبر صاحب "الجرنال المخروم" لتراقب وتتلصص، تؤمن ولو على سبيل التجربة، أن حبيبها لو امتلك أموال الدنيا لن يتخلى عنها ويفكر في الارتباط بهيفاء وهبي، وبالتالي تتخلص من إصرارها على إنفاق كل دخله، حتى يظل فقيرا لا يملك مهر فتاة لبنانية حسناء، وتلجأ إلى الحل الأسهل والأضمن، وهو أن تحافظ على جمالها ورشاقتها، تتعامل مع الحبيب بوصفه شخصا لا يقل أهمية عن المارة الذين تحرص على أناقتها عندما تخرج إليهم في الشوارع ووسائل المواصلات، مع محاولة التخلي عن حبها القديم لمحشي الكرنب!
امرأة تحب الجنون، وتعشق المفاجآت، سيفرح حبيبها لو طلبت منه أن يخرج معها للتمشية فجرا، سيكون سعيدا بها لو فاجأته يوما في مقر عمله وقد أحضرت معها سندوتشات الفول، ليأكلاها سويا على الكورنيش، سوف يقفز فرحا لو عاد إلى البيت في يوم ميلاده فوجد الأنوار مطفأة، وبمجرد دخوله يجد الحبيبة في انتظاره وقد أضاءت شمعة، تحتضنه على أنغام أغنية يحبها، سيكون منتشيا لو استيقظ فوجد بجانبه رسالة من حبيبته تخبره فيها أنها خرجت، وعندما يدخل الحمام يجدها أمامه تقول له برقة "بخ"، مع ملاحظة أن هذا التصرف قد يؤدي إلى أثر عكسي مع أصحاب القلوب الضعيفة، ومن ثم يخضع الأمر لطبيعة كل حالة!
هوامش:
هل هناك امرأة بهذه الموصفات؟ نعم لكنها نادرة..
هل لندرة هذا النموذج علاقة بالارتفاع غير المسبوق في معدلات الطلاق؟ يسأل عن ذلك الأزواج المنفصلين..
هل كل الرجال أبرياء؟ بالطبع لا.. ولذلك حديث آخر..