رئيس التحرير
عصام كامل

عن ملء الفراغ بالفراغ.. «عبد الناصر» نموذجًا!


ملءُ الفراغ بفراغٍ مثلِه يكادُ يكونُ أسلوبَ حياةٍ في مصرَ، في السياسةِ والثقافةِ والإعلام والتعليم.. أداءُ مجلس النواب ينطبقُ عليه هذا الوصفُ بامتيازٍ.. تصريحاتُ كثيرٍ منْ الساسةِ وكبارِ المسؤولين تستخدمُ هذا التطبيقَ بنجاحٍ مُنقطعِ النظير.. ولكن دعْنا منْ أهل الحُكم والسياسةِ والاقتصاد، لأنَّ انتقادَ أدائهم هو أيضًا ملءٌ للفراغ بالفراغ، ومجردُ تحصيل حاصل، فلا شيءَ يتغيرَ.


ولنأخذْ برنامجَ "كورة بلدنا" الذي يقدمُه "عبد الناصر زيدان" نموذجًا.. البرنامجُ الذي يبدأ في الحادية عشرة والنصف مساءً، ويمتدُّ حتى مطلع الفجر، خلالَ خمسةِ أيام أسبوعيًّا، مَثلٌ صارخٌ على حالةِ الفراغ التي يعانى منها الإعلامُ المصرىُّ بشكلٍ عام، والإعلامُ الرياضيُّ بشكلٍ خاصٍ.

وإذا ساقتْك أقدارٌ أليمة لمشاهدة حلقةٍ واحدةٍ منْ البرنامج المذكور ذى الميزانيةِ المليونيةِ، فسوفَ تكتشفُ بعدَ ثلاثِ ساعاتٍ ونصفِ الساعةِ، أنك لمْ تحصلْ على معلومةٍ مُكتملةٍ ولم تستفدْ شيئًا يُذكرُ إذا كنتَ من المهمومين بالشأن الرياضى.. هذا البرنامجُ ليسَ بدعةً من البرامج الرياضية التي تتسابقُ في التفاهةِ وملءِ الفراغ بالفراغ.

الفضائياتُ العامة والرياضية والقنواتُ الحكومية تُخصصُ من وقتها مساحاتٍ مُشابهةً في التوقيت ذاتِه، للبرامج الرياضية، يختلفُ المذيعُ والضيوفُ، ولكنَّ "الإسكريبت" واحدٌ.. لم يفكرْ القائمون على أمر هذه الفضائياتِ يومًا في إنتاج برنامج ثقافىٍّ أو علمىٍّ على غرار برنامج "العلم والإيمان"، الذي ذاق الدكتور مصطفى محمود – رحمه اللهُ- الأمرَّين حتى يُبصرَ النورَ.

يتحججونَ في ذلكَ بأنَّ هذهِ النوعية من البرامج لن تحققَ مُشاهداتٍ كثيرة، ولن تجلبَ إعلاناتٍ، وهم لا شكَّ واهمون، والدليلُ.. إنَّ الفضائياتِ العربية تذيعُ حلقاتٍ البرنامج المذكور بانتظامٍ على شاشاتها، وتنتج برامجَ مشابهة ناجحة. الشاشاتُ المصرية، على كثرتها، تتقاسمُ برامجَ الطبخ والهلس وكلَّ ما هو قادرٌ على ملءِ الفراغ بالفراغ، ما ساعدَ على تصحُّرِ عقولِ الأجيال الجديدة.

هل أكونُ ظالمًا عندما أقطعُ بأن هذه سياسةٌ مُوجهة، والدلائلُ أكثرُ منْ أنْ تُحصى، أم أتراجعُ خطوة للوراء وأحمِّلُ المسئوليةَ لأصحابِ هذهِ القنوات والقائمين عليها بسبب سطحيتِهم وجهالتِهم، وبحثهم عن الربحِ السريعِ؟ سيكونُ منْ قبيل ملءِ الفراغ بالفراغ إذا تحدثتُ خلالَ هذه السطور القليلةِ عن رسالةِ الإعلام، فالقاصى والدانى يعلمانها جيدًا، ولكنهما يتجاهلانها طوعًا أو كرهًا.

إذا كانت نفوسُكم وصدورُكم تصيقُ ذرعًا بتقديم برامجَ هادفةٍ تقضى على أميَّةِ شعبِ، أصبحَ أستاذُ الجامعةِ فيه يخطئ في الإملاءِ، فلا ضيرَ من تقديم برامجَ رياضيةٍ، تتسمُ بقدرٍ منْ الاحترافيةِ والمعلوماتيةِ والنُّضج، على غرارِ ما تقدمُه فضائياتٌ عربيةٌ ناشئةٌ.. أما ما يصنعُه "عبد الناصر زيدان" ورفاقه، كلَّ مساءٍ، فهو ليسَ أكثرَ منْ غسلٍ للماء بالماءِ، أو ملءِ الفراغ بالفراغ.
الجريدة الرسمية