بعد تحذير الرئيس.. إعلاميون ونواب وقانونيون يسألون عن «حرية تداول المعلومات».. مكرم: نسعى إلى قانون متوازن يحقق المصلحة الوطنية.. الذهبي: يقضي على الفساد والشائعات.. وعوارة: البرلمان لم يتلق
بعد إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر تعرضت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة لـ21 ألف شائعة، تجدد الحديث عن قانون تداول المعلومات، باعتباره أحد الأدوات القادرة على كبح جماح هذه الظاهرة.
وبالرغم من أن 11 دولة على مستوى قارة أفريقيا، اعترفت بأهمية قانون حرية تداول المعلومات، ودوره في تنظيم حرية الصحافة والإعلام، وجعلوه على رأس أولوياتهم التشريعية، إلا أن الحكومات والبرلمانات المصرية السابقة، رغم كثرة الحديث عن حتمية إصدار القانون، لم تتخذ خطوات حقيقية نحو خروجه إلى النور، ولاسيما مع تعاظم دور الإعلام البديل «السوشيال ميديا»، إلى أن تشكل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، برئاسة الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، فكان القانون على رأس خطة عمله، وبالفعل أعدَّ مشروع قانون متكامل، أرسله للجهات المعنية، وبعد مرور ٦ أشهر يظل التساؤل أين ذهب مشروع قانون حرية تداول المعلومات؟!
لن نتوقف عن المطالبة به
قال الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، إن إقرار هذا التشريع في غاية الأهمية، فلا يمكن الحديث عن تجديد وإصلاح الصحافة المصرية، دون أن يكون هناك قانون يعطي الفرصة للصحفيين في الحصول على المعلومات من مصادرها الحقيقية، في ظل اتهام الصحفيين بأنهم يلفقون ويحصلون على معلومات من غير مصادرها أو يخترعونها.
وأضاف مكرم محمد أحمد لـ"فيتو" أن هناك أسبابًا حقيقية وراء ذلك، أولها: نقص المعلومة، وثانيها: عزوف أغلب المسئولين عن الحديث مع الصحافة، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق برؤية نقدية، ولكنهم يرحبون بالصحافة إذا كانت مدحًا في المشروعات التي ينجزونها.
مصلحة الدولة
وأكد أن الجماعة الصحفية ستلح حتى تقبل الحكومة مشروع قانون متوازن يحقق مصلحة الدولة، وكذلك حق الصحفيين في الحصول على المعلومة، مشددًا على أنهم أعلنوا عن مشروع القانون وكانت أولى جلسات الحوار حوله داخل وكالة أنباء الشرق الأوسط، وسينظمون خلال الفترة المقبلة عددا من الجلسات الأخرى.
وأشار إلى أن مشروع القانون عرض على نقابة الصحفيين وأبدت ملاحظاتها، وأن المجلس يرحب بكل وجهات النظر، وسيقترح على نقابة الصحفيين أن يكون هناك لجنة نقابية معنية، بمشاركة ممثل عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لاستقبال كل المقترحات ووجهات النظر عن مشروع القانون من الصحفيين.
تطلعات الصحفيين
وأكد رئيس المجلس الأعلى للإعلام أننا حريصون على الخروج بقانون يلبي تطلعات الصحفيين، ويمنحهم الحق في الحصول على المعلومات، وفي واقع الأمر أستغرب موقف الحكومة من عدم إصدار قانون حرية تداول المعلومات، خاصة أن الجميع يطالب بهذا التشريع منذ عشرات السنين، وبالتالي إذا كان للحكومة تخوفات من إصداره عليها أن تخبرنا، وعلى الدولة أن تدرك أهمية هذا القانون".
ولفت إلى أن مشروع القانون وصل إلى البرلمان منذ ما يزيد على 6 أشهر، وكان يجب أن يناقش ويقر في دور الانعقاد الثاني أو الثالث على أقصى تقدير ولكن لم يحدث، مؤكدًا أنه لابد أن يكون على رأس مشروعات القوانين التي يجب مناقشتها وإقرارها مع بداية دور الانعقاد الرابع.
البرلمان لم يتلق القانون
وبرلمانيا.. أكد جلال عوارة، وكيل لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، أهمية قانون حرية تداول المعلومات، لجميع المواطنين وفى مختلف المجالات، مشيرًا إلى أنه غير مقتصر على الأخبار التي يتم تداولها، كما يتوقع البعض، أو على عمل الصحفيين وحصولهم على المعلومات، وإنما يتعلق بجميع البيانات والمعلومات في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وغيرها.
وأوضح عوارة، في تصريح لـ"فيتو"، أنه وفقًا للدستور، فهناك إلزام لمختلف أجهزة الدولة بإتاحة المعلومات والبيانات للمواطنين، وهو ما يفيد المواطن في مختلف نواحي حياته، ويساعده على اتخاذ قراره الصحيح، ومن حق المواطن الحصول على المعلومات اللازمة له في مختلف المجالات، وكذلك على الدولة الحفاظ على معلومات المتعلقة بالمواطن، وعدم السماح لأي أحد بالحصول عليها.
وأكد وكيل لجنة الإعلام بالبرلمان أن قانون حرية المعلومات يأتي ترجمة لنص الدستور، ويعد تأكيدًا على مفهوم الشفافية، ودليلًا على ارتقاء المجتمع، مشيرًا إلى أنه كلما ارتقت نسبة الشفافية بالمجتمع ارتفع تصنيفه في الرقي.
وحول سبب تأخر إقرار القانون حتى الآن، أوضح عوارة أنه لم يصل للبرلمان حتى الآن، وأنه لا يوجد سبب معلن حول عدم إحالته، مشيرًا إلى أن هناك تنسيقًا مستمرًا بين البرلمان ممثلا في هيئة مكتبه والحكومة فيما يتعلق بالأجندة التشريعية والتشريعات ذات الأولوية.
دور الحكومة
وردًا على سؤال حول علاقة تأخر إحالة القانون والإعلان عن قيام المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والصحافة بإعداد القانون، أوضح عوارة أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والصحافة ليس من حقه إعداد التشريعات، وإنما ذلك هو دور الحكومة والبرلمان فقط، وفقا للدستور، مضيفًا أنه يمكن للحكومة والبرلمان أخذ رأى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة في أي من القوانين التي يسعى لإقرارها.
ولفت إلى أن الحكومة هي التي من حقها إعداد ذلك القانون، متوقعًا إحالته للجنة مشتركة بالبرلمان، تضم اللجان التشريعية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والثقافة والإعلام والدفاع والأمن القومى، وذلك عقب وصوله من الحكومة للبرلمان، مشيرا إلى أن القانون يتعلق بمجال عمل تلك اللجان، ويحتاج إلى نقاش موسع.
تأخر 10 سنوات
وأكاديميًا.. قال الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام السياسي بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إنه في ظل تعاظم التكنولوجيا وتنامي حرية الإعلام وتنافس الدول على حرية وحق الاتصال، آن الأوان أن تسعى مصر لأن يكون لديها قانون لحرية تداول المعلومات، ولاسيما أن محاولات إصدار القانون كانت منذ ١٠ سنوات، مؤكدًا ضرورة عرض مشروع القانون على نقابتي الصحفيين والإعلاميين وخبراء متخصصين، بالإضافة إلى نشره في وسائل الإعلام والصحافة، ومن ثم يقام حوله حوار مجتمعي جاد.
وأضاف: "لابد أن يشمل الحوار على القانون أيضًا، إدارات العلاقات العامة، ومسئولي الإعلام في الهيئات والمؤسسات، والباحثين في الجامعات والأكاديميين، يوجب أن يدرك المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أن عمله وقراراته وما يصدر بشأنه من قوانين يجب أن تكون متاحة للرأي العام، وإن لم تحصل أتصور أن المجلس سيفقد ثقته عند الناس.
يمنع الفساد ويحقق الشفافية
وقانونيًا.. قال الدكتور محمد الذهبي، أستاذ القانون الدستوري، إن قانون حرية تداول المعلومات حق دستوري لكل مواطن، وليس للصحفيين والإعلاميين فقط، مشيرًا إلى أن إقرار هذا القانون يخلق مناخًا يحترم الحريات ويساعد في حماية حقوق أخرى منها حرية التعبير، كما يمنع الفساد ويحقق الشفافية ويقر مبدأ المحاسبة.
وأوضح أن غياب قانون يُلزم السلطات بالكشف عن المعلومات، ساهم في انتشار الشائعات، وخلق حالة من الفوضى والاضطراب لأنه حين تغيب المعلومات يجتهد البعض، وقد يصل إلى نتائج مغلوطة يتم نشرها على العامة، معتبرًا صدور قانون حرية تداول المعلومات، حقًا دستوريًا مكفولًا لجميع المواطنين وليس الصحفيين والإعلاميين فقط خاصة مع ثورة المعلومات التي يعيشها العالم حاليا.
وتابع: كما يعتبر هذا الحق من أهم آليات دعم ممارسة الحقوق الأخرى على اختلاف أنواعها؛ فهو عامل أساسي لتهيئة بيئة تحمي الحقوق الأخرى، وتخلق مناخا يحترم الحريات ويقوم على أسس ديمقراطية شفافة.
وأردف "الذهبى" قائلا: "يعتبر الحق في المعرفة هو الوجه الآخر لحرية التعبير؛ فحرية التعبير في معناها المباشر هي حق الأشخاص في أن يعبروا عن آرائهم وأفكارهم بحرية وهو ما يحتوى على حق متلقي هذه الأفكار والآراء والمعلومات في توافر سبل الحصول على هذه الآراء والأفكار"، مضيفًا: "الحق في المعرفة والوصول للمعلومات يعمل على حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إعمالا لمبدأ "الحقوق غير قابلة للتجزئة" فالحق في المعرفة لا يعتبر فقط حقا في ذاته، ولكنه أداة لتفعيل ممارسة حقوق أخرى تضمن تحقيق الشفافية".
وتابع أيضًا: "من واجب الدولة أن تتيح لمواطنيها حق الوصول للمعلومات التي من شأنها أن تؤثر في حياتهم، ومن ثم تكون قد وفرت حق تمتعهم بكافة الحقوق الأخرى ويمكن الحكم على مدى وفاء الدولة بما التزمت به من معايير وأهداف أعلنتها في موازناتها وخططها العامة كما يمكن أن تكشف هذه المعلومات مدى نجاح الحكومة وفشلها".
واختتم "الذهبى" كلامه قائلا: "قانون حرية تداول المعلومات يساعد على منع الفساد من خلال نشر الحقائق وإظهارها للرأي العام وإمكانية محاسبة المفسدين قضائيا، فمن الصعب إثبات جرائم الفساد بغير أدلة محددة وواضحة وبشكل خاص في مجال الحقوق التي تستلزم إيجابية من قبل الدولة ومؤسساتها المختلفة مثل الحق في الصحة والتعليم وغيرها من الحقوق، فيمكن محاسبة الجهات المقصرة أو التي أهدرت المال العام من خلال البيانات والإحصاءات التي تصدرها الحكومة".