رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا يشكو الرئيس من الإعلام ولديه من اختارهم؟


سأقول كلاما أرجو أن يعتبره الرئيس عبد الفتاح السيسي رسالة إليه من مواطن مصري يعمل صحفيا في بلاط صاحبة الجلالة مصر، التي يعشقها كما يعشقها المواطن عبد الفتاح، ويتمنى لها الرفعة والمجد والأمان. والحق أن أدب الرئيس في مخاطبة الناس والمسئولين، على الهواء، وتردده بحثا عن اللفظ اللائق قبل أن ينطلق في الكلام عن موقف أو شخص، هو ما يشجع على جعل هذه السطور حميمية، في هيئة رسالة أكثر منها في قالب مقال صحفي محترف.


أكثر من هذا أن لي الحق في مخاطبة الرئيس كمرؤوس وكمواطن منحه صوته وثقته وحبه ولا يزال. لماذا أقول كل هذا؟ هل لأصنع سترة واقية من أي رد فعل، على كلام سأقوله، ربما يعجب أو لا يعجب؟

لا بالطبع، لأن هناك سببين جوهريين، أنه ليس في تاريخ هذا القلم ما أرعبه ولا خوفه ولا كبله عن قولة حق لصالح الوطن، مهما كان الثمن ومهما كان الحكم والمسئول، والسبب الثاني، أنه ليس في حسبان الكاتب هنا أبدأ أن السيد الرئيس ممن يضيقون برأي لمصلحة معشوقته أم الدنيا، معشوقتنا مصر.

الموضوع هو موقف الإعلام المصرى من متابعة الشأن العام المصري، وفي هذا؛ فقد بدا الرئيس السيسي في بدايات فترة حكمه الأولى معجبا بإعلام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقال" يا بخته بإعلامه"، ثم كرر الرئيس رجاءه في مناسبات عديدة بألا يكتب صحفي أو إعلامي في موضوع قبل أن يتصدى له بالدراسة، وجمع المعلومات الصحيحة، ليكون رأيه مفيدا وعاكسا للحقيقة.

وفي افتتاحات كبري مشروعات الطاقة، كهرباء ورياح، وكان الرئيس سعيدا متهلل الملامح، فأعطى كل ذي حق حقه. من التقدير والشكر والعرفان، تكلم الرئيس عن الإعلام وأن الإعلامي يتحدث بغير علم، وعليه أن يلم بالموضوع، ويدرس ويكتب بعدها أو يتكلم في البرامج، ولم تبد أمارات ارتياح على وجه الرئيس، وهو ينهى الكلام في هذه النقطة.

إذن فالإعلام مشكلة بالنسبة للرئيس، وللحكومة، وبالتالي للمواطن. والحقيقة أنه لا يمكن لصحفي أو إعلامي، ولا أقول حقيقي أو غير حقيقي، لأن الموجود منه مضروب تايواني، أن يختلف مع السيد الرئيس في ضرورة ألا يتكلم الإعلامي أو يكتب الصحفي بغير علم. بغير علم أي يكتب أو ينطق بجهل. الثقة مع الجهل تصنع مصيبة للوطن، وتصيب الحاكم بالدهشة والاستنكار والاستغراب من اجتماع الجهل والاجتراء على الحق، وتسويقهما أكاذيب ترعي في عقل ووجدان الأمة، وإحباط روح المسئول.

من ناحية أخرى، لا أظن قط أن الرئيس السيسي يكن إعجابا بتليفزيون وصحافة عصر من الدكتاتورية، والرقابة وتكميم الأفواه، كما أحسب أن السيد الرئيس، وهو قارئ جيد للتاريخ، يعرف جيدا أن تأميم وتكميم الصحافة والإعلام في الرابع والعشرين من مايو عام ١٩٦٠ أدي بعد سبع سنوات فقط إلى كارثة وهزيمة ٥ يونيو عام ١٩٦٧.

بالعقل إذن لا يجوز اعتبار الرئيس معجبا بإسكات الصوت الآخر، لأن الصوت الآخر لايزال موجودا وبقوة، وهذا المقال دليل من أدلة وجوده لكتاب وطنيين آخرين واعين، ثم إن الرئيس السيسي أكد ترحيبه، وعدم ضيقه بالمعارضة والنقد بوعي وبوطنية، وبهدف الإصلاح!

السؤال إذن ماذا يزعج الرئيس، وماذا زعله؟ وبعبارة أخرى ما الذي يريده رئيس الجمهورىة من الإعلام؟ التصفيق طول الوقت؟ الانتقاد المر طوال الوقت؟ كلاهما قاتل للحقيقة، ومهلك للحاكم وللمحكوم. المطلوب هو قول الحق بالحق. لا زيادة ولا نقصان. المطلوب هو الإبلاغ الأمين.

يريد الرئيس، فيما أظن، أن يقدم الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب عن الجوانب الإيجابية مما يجري على أرض الوطن، الإنجازات والمشروعات والأماني والتبشير والتبصير، والحقيقة أن هذا يحدث وقنوات كثيرة حولت أقمارها وأطباقها وأقلام أكثر غيرت أحبارها، ومع ذلك فإن أحدث شكوى للرئيس كانت قبل ثلاثة أيام !

فماذا تريد إذن يا سيادة الرئيس؟ تريد إعلاما صادقا واعيا ذكيا، يعرض جوانب القصة المختلفة ويوفر المعلومات للشعب، ليتبصر ويتصبر على المواقف الصعبة التي يمر بها الوطن، في عملية الإصلاح الاقتصادي، وفي عمليات محاربة الإرهاب والخونة.

الإعلام القوى الذكي المؤثر، لك وعليك هو الإعلام الحر، والإعلامي الحر هو من يستمد حريته من توافر المعلومات، ومن حقه  الحصول عليه ومن القانون ومن الممارسة ومن علمه ومن وطنيته، ولكن هل لدينا من الإعلاميين والصحفيين من اجتمعت فيه كل المؤهلات السابقة؟ تجتمع في معظمهم الوطنية، لكن السذاجة منفرة، والجهل أعم، وسوء الظهور والعرض، والإفراط في التهليل، اختصر وخصم الكثير من مصداقية هؤلاء.

ثم هل أصدرت الدولة بعد قانون حق الحصول على المعلومات وحرية تداولها؟

تشكو يا ريس من الإعلام، وهذا حقك، لكن لنواجه أنفسنا ولنقل: انظر من اختارهم!

انظر من وضعهم وراء مكاتبهم وميكروفوناتهم وكاميرات الاستوديوهات؟ من المهيمن ومن يختارهم ليزعجوك ولينفروا الناس حتى انصرفوا أو كادوا عن الشاشات؟

حاسب من يختار، يعتدل الإعلام ويعقل ويصحو ويفهم ويقدم التعب والعرق والصبر والأمل الذي تبذله الدولة رئيسا وحكومة وشعبا.

هذا رأيي لحساب الحقيقة ولحساب حبي لمصر وثقتى فيك. وتقبل يا سيادة الرئيس أصفى مشاعر الامتنان والعرفان. إعلامك ليس بقامة شجاعتك، ولا بحنكة إدارة الموقف، تلك هي المشكلة.
الجريدة الرسمية