إلى روحها
كم كنت أتمنى أن تكونى موجودة الآن بيننا لتفرحى مثلنا بتكريم والدك البطل الجسور "يوسف صديق"، الذي أنقذ ثورة يوليو من الفشل، وضمن بشجاعته نجاحها في تغيير نظام الحكم الملكى الذي قاسى منه الأغلب الأعم من المصريين.. أعرف بعد أن تزوجنا كم كنت تُحبين والدك حبا جما، وكيف تعلقت به وانبهرت بشجاعته وتضحياته، وكم أيضا كان يحزنك ما لاقاه من رفاق الدرب من إنكار لدوره ونفى خارج البلاد، وتحديد إقامة وأيضًا السجن..
وأدرك أن ذكريات سفرك إلى لبنان مع والدتك السيدة الجليلة "علية توفيق" وشقيقك "حسين" الذي صار فيما بعد لواء بالشرطة، لإعادة والدك من النفى كانت دوما حاضرة، مثلما كانت ذكريات اعتقال والدك ووالدتك حاضرة ومؤلمة، حيث تركت وأنت لم تتجاوزى الخامسة من العمر بمفردك مع شقيقك "حسين" الذي لم يكن يكبرك بأكثر من ثلاث سنوات ولجأتما إلى خالتكما في شبرًا..
وأيضًا أعرف أنك كنت تدركين أن كل مالاقاه والدك لم يجعله يفقد بوصلته الوطنية الصحيحة دوما طوال حياته التي انتهت في مارس ١٩٧٥، بعد أن بارك ارتباطنان ولذلك كنت تتذكرين وأنت صغيرة كيف كسر والدك تحديد الإقامة بعد العدوان الثلاثى عام ٥٦، لكى يدرب شباب منطقته على استخدام السلاح، وتكوين كتائب شعبية تتصدى للمعتدين الغزاة.. وكنت تتذكرين أيضا وأنت شابة كيف تناسى والدك ماحدث له، وعندما علم بوفاة ناصر وهو يزورك في موسكو، حيث كنت تتلقين دراستك عاد إلى القاهرة فورا، ورثى عبدالناصر بقصيدة حارة جدا.
زوجتى الحبيبة نعمت: هاهو الحق يعود إلى أصحابه.. وها هو والدك الحبيب يرد له اعتباره ويتم تكريم اسمه، بل ويصحح تاريخ ثورة يوليو بعد ٦٦ عاما كاملة.. فلتهنئ روحك وترتاح في رحاب العزيز القدير.. وليعيننا الله على فقدك، أنا وابننا شهدى الذي نفذ وصيتك ونال درجة الدكتوراه في هندسة الاتصالات.. وليمنح لله الصحة والعافية لخالك المستشار المناضل "محمود توفيق" الذي جمعنا معا.. وليرحم الرب الجميع، خاصة والدك البطل ووالدتك رفيقة كفاحه وشقيقك "حسين" الذي لحق بك بعد رحيلك ببضعة شهور قليلة، حاول فيها جل قدرته أن يخفف عنى آلام فقدانك، التي ستظل موجودة حتى يجمعنا الله معا مجددا..