رئيس التحرير
عصام كامل

مدارس المتفوقين وخيانة الأمانة


هل يمنحنا ما حدث في نتيجة مدارس المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا الحق في التساؤل حول استعداد الوزارة لتطبيق منظومة التعليم الجديدة، المقرر تطبيقها في مدارس لا تقارن من ناحية الإمكانيات بمدارس المتفوقين في العلوم والتكنولوجيا، وهل ما حدث يمنحنا الحق في معرفة المسئولين الحقيقيين عن الأزمة التي شهدتها تلك المدارس هذا العام؟


ما حدث يا سادة يرقى إلى مستوى الفضيحة التعليمية، ويؤكد أننا أمام حالة من اللامبالاة في ملف التعليم قبل الجامعي، كما يؤكد أن هناك أشخاصا تولوا مسئوليات ليسوا أهلا لها، أو أن قدراتهم المحدودة لا تسعفهم للقيام بالأعباء الملقاة على عاتقهم، أو أنهم كانوا يعلمون بوجود كارثة، ولكنهم صمتوا، فهل لو كانوا يعلمون بوجود كارثة تعليمية ستسفر عن هذا الوضع المرير الذي وصلنا إليه وصمتوا يجعلنا نضعهم في موضع خائني الأمانة، باعتبار أنهم مؤتمنون على تعليم وتربية وتنشئة الأجيال القادمة..

ولكن بدلا من ذلك صمتوا ومرروا أمورا معيبة، وعندما ظهرت النتيجة، وكانت فضيحة نسبة النجاح في الدور الأول 56٪ ثم ارتفعت بقدرة قادر بعد تطبيق آليات جديدة في التظلمات إلى 78٪ والفارق بين النسبتين ضخم إلى الحد الذي يؤكد أن هناك شيء ما غير طبيعي حدث.

فالنتيجة المعلنة في الحالة الأولى أكدتها الوزارة في بيان رسمي، وفي تصريحات على لسان بعض مسئوليها، أكدت الوزارة أن النتيجة عادلة، وأن عملية التصحيح كانت دقيقة، وتمت دون تدخل بشري عن طريق الامتحان والتصحيح الإلكتروني، وهذا الأمر يعني أن الطلاب الراسبين أو طلاب الدور الثاني هم المخطئون، لكن ما الذي حدث بعد أيام من تلك التصريحات؟

اعلنت الوزارة أنه بعد فحص تظلمات الطلاب ارتفعت نسبة النجاح إلى 78٪ ما يعني أن كل هؤلاء الطلاب الذين خرجوا من دائرة الراسبين، وطلاب الدور الثاني إلى دائرة الراسبين، إما أنهم حصلوا على حقوقهم، وبالتالي تكون تصريحات مسئولي التعليم الأولى الخاصة بدقة التصحيح كاذبة، وإما أن هؤلاء الطلاب قد حصلوا على درجات ليست من حقهم، وفي هذه الحالة يكون المؤتمن على منح الدرجات لم ينفذ أمانته بالشكل الأمثل وأعطى ما لا يملك لمن لا يستحق..

وفي كل الحالات فإن ما حدث أزمة ضخمة تكشف حجم الترهل والتخبط وغياب الجرأة في الاعتراف بالخطأ والتقصير واللجوء إلى المسكنات بدلا من حل المشكلات من جذورها.

فالوزارة دخلت من باب مصلحة الطالب إلى أرض الهروب من المسئولية، والبحث عما يهدئ الرأي العام "عشان مش عاوزين دوشة دماغ"، والغريب في وسط كل هذا أن كل من يحاول استجلاء حقيقة ما حدث أو أن يخرج مسئول شجاع ليكشف المسئولين الحقيقيين عن تلك المهزلة، فيتهم السائل بأنه من "اللي عايزين جنازة ويشبعوا فيها لطم".

هذا هو المنطق الذي تدار به الأمور داخل الوزارة، وعلى الجميع أن يتلقوا ما يملى عليهم ولا يكتفوا بتصديقه، بل عليهم أن يبحثوا له عن أدلة تقويه وتعضدهم، حتى لا يتهموا بأنهم يشيعون مناخا تشاؤميا حول التعليم.
الجريدة الرسمية