«يعيش جمال حتى في موته» .. حكايات خاصة من بيت عبدالناصر في «منشية البكري»
«القائد لم يذهب أبدًا، بل دخل الغرفة كي يرتاح، وسيصحو حين تطل الشمسُ، وسيشرب قهوته معنا، ونقولُ لهُ، ويقولُ لنا، القائد يشعر بالإرهاقِ، فخلّوهُ يغفو ساعات.. السيّد ما زال هُنا، يتمشّى فوق جسور النيل، ويجلس في ظل النخلات، ويزور الجيزة عند الفجر، ليلثمَ حجرَ الأهرامات، يسألُ عن مصر ومَن في مصرَ، ويسقي أزهارَ الشرفات، ويصلّي الجمعة والعيدين، ناصر مازال هنا في طميِ النيل، وزهرِ القطن وفي أطواقِ الفلاحات..في فرحِ الشعب، وحزن الشعب، وفي الأمثال وفي الكلمات».
بتلك الكلمات ، نعى الشاعر الكبير نزار قباني ، الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بعد ساعات قليلة من وفاته ، معبرا عن أحزان الملايين الذين صدمهم رحيل رمز لطالما تغنوا بحياته وانجازاته ، فاذا به فجأة يغادرهم دون سابق انذار.
هنا وعلى بعد دقائق من قصر القبة، في ٤ شارع الخليفة المأمون بمنشية البكري بحي مصر الجديدة بالقاهرة، اختار ناصر الغلابة والمهمشين، بيت بسيط كروحه عزيز كنفسه، وقفت حجراته وساحته شاهدة على لحظات وأحداث جلل من عمر هذا الوطن، كل ركن يفصح لنا عما في جعبة صاحبه من أسرار وحكايات، نتحسس الجدران والطرقات بقدسية تامة، فهنا بكى الزعيم، وهنا ضحك الأب وداعب الجد، وحتى وإن تغيرت معالمه بعض الشيء فإن البساطة تظل سيدة الموقف، فلا تكلف ولا مغالاة أمام البوابة وداخل الساحات، فقط رجلان مسئولان عن التأمين، وموظف تابع لقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، يستقبلك بترحاب بعد أن يعبر عن فخره بصاحب المكان، ولافتة زرقاء، تكاد تراها من بين الأبنية المقابلة له، كتب عليها « متحف الزعيم جمال عبد الناصر بمنشية البكري».
في ساحة المنزل - المتحف حاليًا- التي لم تبددها أعمال التطوير، وعلى بعد أمتار قليلة من الطابق الأرضي، احتفظ عبد الناصر بسيارته الخاصة رقم ٨٣٤٩ ماركة أوستن، فهي المركبة التي استقلها قبيل قيام ثورة يوليو بساعة واحدة، يقول عبد الناصر نفسه:" «نزلت من البيت في كوبري القبة، وعديت على عبدالحكيم عامر في بيته، عشان ناخُد قوات من العباسية، وكان البوليس الحربي قفل المداخل، طلعنا على كمال حسين في ألماظة، وإحنا في السكة، واحد اعتقد أن التحرك الساعة ١٢، واتحرك بدري بدل ١، قلنا لُه تعالى نطلع على القيادة ونعتقل الناس اللي هناك، وبالفعل قبضنا على كل القادة».
طابقان وحديقة، مكونات المنزل الذي انتقل إليه عبد الناصر وأسرته بعد الثورة بمنشية البكري- كان في الأساس منزلا لأحد رجال الجيش- تاركًا شقة الزوجية في كوبري القبة، امتاز البيت الجديد بالبساطة الشديدة، لم يكن قصر فخمًا، ممتلئا بالنافورات والأرجوحات والتماثيل الذهبية المرصعة بالمجوهرات الثمينة، بل كسر الصورة الذهنية عن بيوت الملوك ورؤساء.
هنا وعلى بعد دقائق من قصر القبة، في ٤ شارع الخليفة المأمون بمنشية البكري بحي مصر الجديدة بالقاهرة، اختار ناصر الغلابة والمهمشين، بيت بسيط كروحه عزيز كنفسه، وقفت حجراته وساحته شاهدة على لحظات وأحداث جلل من عمر هذا الوطن، كل ركن يفصح لنا عما في جعبة صاحبه من أسرار وحكايات، نتحسس الجدران والطرقات بقدسية تامة، فهنا بكى الزعيم، وهنا ضحك الأب وداعب الجد، وحتى وإن تغيرت معالمه بعض الشيء فإن البساطة تظل سيدة الموقف، فلا تكلف ولا مغالاة أمام البوابة وداخل الساحات، فقط رجلان مسئولان عن التأمين، وموظف تابع لقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، يستقبلك بترحاب بعد أن يعبر عن فخره بصاحب المكان، ولافتة زرقاء، تكاد تراها من بين الأبنية المقابلة له، كتب عليها « متحف الزعيم جمال عبد الناصر بمنشية البكري».
في ساحة المنزل - المتحف حاليًا- التي لم تبددها أعمال التطوير، وعلى بعد أمتار قليلة من الطابق الأرضي، احتفظ عبد الناصر بسيارته الخاصة رقم ٨٣٤٩ ماركة أوستن، فهي المركبة التي استقلها قبيل قيام ثورة يوليو بساعة واحدة، يقول عبد الناصر نفسه:" «نزلت من البيت في كوبري القبة، وعديت على عبدالحكيم عامر في بيته، عشان ناخُد قوات من العباسية، وكان البوليس الحربي قفل المداخل، طلعنا على كمال حسين في ألماظة، وإحنا في السكة، واحد اعتقد أن التحرك الساعة ١٢، واتحرك بدري بدل ١، قلنا لُه تعالى نطلع على القيادة ونعتقل الناس اللي هناك، وبالفعل قبضنا على كل القادة».
طابقان وحديقة، مكونات المنزل الذي انتقل إليه عبد الناصر وأسرته بعد الثورة بمنشية البكري- كان في الأساس منزلا لأحد رجال الجيش- تاركًا شقة الزوجية في كوبري القبة، امتاز البيت الجديد بالبساطة الشديدة، لم يكن قصر فخمًا، ممتلئا بالنافورات والأرجوحات والتماثيل الذهبية المرصعة بالمجوهرات الثمينة، بل كسر الصورة الذهنية عن بيوت الملوك ورؤساء.
لم يتخل «ناصر» عن طباع الصعيدي المضياف، فكان الطابق الأرضي مخصصًا لاستقبال زعماء ورؤساء العالم، بعد المراسم الرسمية في قصر القبة، تقام مأدبة غداء أو عشاء داخل منزل الرئيس للترحيب بزواره الرسميين، حجرة الاستقبال أيضا كانت تشبه صاحبها في بساطته، أثاثها مصري بامتياز، كانت تتوسط الغرفة لوحة زيتية لفنان مغمور أعجب بها «ناصر» كثيرًا، وهو الأمر الذي اعترض عليه هيكل حينها، تقول الدكتور هدى، نجلة الرئيس الكبرى:« اعترض الأستاذ هيكل على الصورة التي اختارها الريس، وقال له إن هناك أفضل منها حتى تتوسط غرفة الاستقبال الرسمية، إلا أن والدي تمسك بها وأصبحت من أشهر اللوحات في العالم، ولاسيما أنها ظهرت في خلفية صور الرئيس مع ضيوفه من كافة الدول».
«الدور الأول قطاع عام، والدور الثاني قطاع خاص» هكذا كان يداعب عبد الناصر أبناءه، ولاسيما أن لبيت المنشية مطبخين، الأول بالطابق الأرضى، تتكلف مصروفاته رئاسة الجمهورية، لإعداد موائد الغداء أو العشاء لضيوف الرئيس من الرؤساء والملوك ومسئولين عرب وأجانب، والثاني بالدور الثانى، لإعداد طعام الأسرة، ومصروفاته تأتي من راتب الرئيس.
للسيدة تحية عبد الناصر، قرينة الزعيم، دور هام في الكواليس، بالإضافة إلى أنها الزوجة التي كانت تعي المهام الجسام التي يتحملها الزوج، في ظل حرب ضروس يخوضها نحو الاستقلال الوطني، وتحديات متلاحقة تواجهها البلاد، وبرغم أنه لم يستهويها العمل العام على عكس من تلاها من زوجات الرؤساء، إلا أنها قامت بمهام زوجة الرئيس على أكمل وجه، فخصص لها غرفة في الطابق الأرضي أيضًا لاستقبال زوجات رؤساء وسفراء العالم، ضم الطابق الأول أيضا مكتب وغرفة سفرة رسمية، تحولت الآن إلى قاعة خاصة بمقتنيات وهدايا عبد الناصر، وظل الطابق العلوي خاصا بالأسرة بعيدا عن الرسميات.
اليوم داخل المنزل، كان منضبطًا للغاية لا تحكمه العشوائية، وأيضًا لم يكن كئيبًا، كعادة منازل الضباط، في الصباح كان «ناصر» يقرأ الصحف المصرية قبل أو بعد الإطلاع على أوراق الدولة وإعطاء التعليمات، كان بعضها يذهب إلى غرفة نومه، وعند الظهيرة تصل الصحف والإصدارات الأجنبية واللبنانية، يبدأ قراءتها بعناية ، ويذهب جزء منها بعد ذلك إلى الأبناء.
الجبن المصري والجرجير، والأرز والملوخية، كانت وجبات أساسية ومفضلة لجمال يقول الأستاذ هيكل في أحد كتاباته:« كان الطعام المعتاد على مائدة إفطار الرئيس، الجبن الأبيض المصري والجرجير والخيار والطماطم، وكان الأرز والخضار وتحديدًا الملوخية ويصاحبها بعض الأوقات لحم أو دجاج، على الغداء، وقد يفاجئ الزعيم الجميع بـ «فول حراتى أخضر» أما العشاء فكان جبن أبيض أيضًا».
وتقول ابنته هدي: «البقلاوة» الحلوى المفضلة لديه، التي كانت تجيد صناعتها السيدة تحية، حتى منعه منها الأطباء بعد إصابته بمرض السكري.
كان عبد الناصر، أبًا حنونا وعطوفًا وهادئا تمامًا، طالما جمعته حديقة المنزل بأبنائه الخمسة وزوجته، كان حريصًا أن يقتطع جزءًا من وقته ليجالسهم ويرشدهم، يجيب عن أسئلتهم، كان يشعر بسعادة بالغة وهو يعلمهم الشطرنج، والدومينو وتنس الطاولة (البينج بونج)، وكرة القدم، قبل أن ينصرف للقراءة، وكان خالد أكثرهم حرصا على انتظاره مجهزا رقعة الشطرنج، ليبدأ مع أبيه «الدور»، لاكتساب مهارة جديدة في قواعد اللعبة.
تقول هدي:" كنا نسرد على والدي ما حدث لنا خلال اليوم الدراسي، ونحرص أن نذهب إليه إذا كانت درجاتنا العلمية مرتفعة، لننال قسطا من التشجيع، أما إذا كانت الدرجات ليست على مستوى توقعاته، فكنا نكتفي بوضع الشهادة بجوار سريره، حتى يوقعها فى الصباح، تجنبًا لكلمات التأنيب، ونظرات عينيه المعاتبة".
للسيدة تحية عبد الناصر، قرينة الزعيم، دور هام في الكواليس، بالإضافة إلى أنها الزوجة التي كانت تعي المهام الجسام التي يتحملها الزوج، في ظل حرب ضروس يخوضها نحو الاستقلال الوطني، وتحديات متلاحقة تواجهها البلاد، وبرغم أنه لم يستهويها العمل العام على عكس من تلاها من زوجات الرؤساء، إلا أنها قامت بمهام زوجة الرئيس على أكمل وجه، فخصص لها غرفة في الطابق الأرضي أيضًا لاستقبال زوجات رؤساء وسفراء العالم، ضم الطابق الأول أيضا مكتب وغرفة سفرة رسمية، تحولت الآن إلى قاعة خاصة بمقتنيات وهدايا عبد الناصر، وظل الطابق العلوي خاصا بالأسرة بعيدا عن الرسميات.
اليوم داخل المنزل، كان منضبطًا للغاية لا تحكمه العشوائية، وأيضًا لم يكن كئيبًا، كعادة منازل الضباط، في الصباح كان «ناصر» يقرأ الصحف المصرية قبل أو بعد الإطلاع على أوراق الدولة وإعطاء التعليمات، كان بعضها يذهب إلى غرفة نومه، وعند الظهيرة تصل الصحف والإصدارات الأجنبية واللبنانية، يبدأ قراءتها بعناية ، ويذهب جزء منها بعد ذلك إلى الأبناء.
الجبن المصري والجرجير، والأرز والملوخية، كانت وجبات أساسية ومفضلة لجمال يقول الأستاذ هيكل في أحد كتاباته:« كان الطعام المعتاد على مائدة إفطار الرئيس، الجبن الأبيض المصري والجرجير والخيار والطماطم، وكان الأرز والخضار وتحديدًا الملوخية ويصاحبها بعض الأوقات لحم أو دجاج، على الغداء، وقد يفاجئ الزعيم الجميع بـ «فول حراتى أخضر» أما العشاء فكان جبن أبيض أيضًا».
وتقول ابنته هدي: «البقلاوة» الحلوى المفضلة لديه، التي كانت تجيد صناعتها السيدة تحية، حتى منعه منها الأطباء بعد إصابته بمرض السكري.
كان عبد الناصر، أبًا حنونا وعطوفًا وهادئا تمامًا، طالما جمعته حديقة المنزل بأبنائه الخمسة وزوجته، كان حريصًا أن يقتطع جزءًا من وقته ليجالسهم ويرشدهم، يجيب عن أسئلتهم، كان يشعر بسعادة بالغة وهو يعلمهم الشطرنج، والدومينو وتنس الطاولة (البينج بونج)، وكرة القدم، قبل أن ينصرف للقراءة، وكان خالد أكثرهم حرصا على انتظاره مجهزا رقعة الشطرنج، ليبدأ مع أبيه «الدور»، لاكتساب مهارة جديدة في قواعد اللعبة.
تقول هدي:" كنا نسرد على والدي ما حدث لنا خلال اليوم الدراسي، ونحرص أن نذهب إليه إذا كانت درجاتنا العلمية مرتفعة، لننال قسطا من التشجيع، أما إذا كانت الدرجات ليست على مستوى توقعاته، فكنا نكتفي بوضع الشهادة بجوار سريره، حتى يوقعها فى الصباح، تجنبًا لكلمات التأنيب، ونظرات عينيه المعاتبة".
في الجانب الشرقي من غرفة نومه المتواضعة، وعلى مقربة من الباب وقف عبد الحكيم النجل الأصغر الذي شهد المنزل ميلاده بعد الثورة بثلاث سنوات صامتًا، ينتظر ابتسامةه والده كتأشيرة للدخول، بعدما سمع الصغير صوت السيدة أم كلثوم ينبعث من المذياع، فعلم أن الوقت سانحًا لاقتناص دقائق من وقت رجل حمل على عاتقه هموم البلاد والعباد، ينظر الأب إلى طفله بعطف وهدوء ويقول:« إيه الأحوال يا حكيم»، ثم يأذن له بالدخول، يقول عبد الحكيم:" أنا الوحيد اللي اتولدت في بيت المنشية، وكنت متخيلا أن بابا اسمه الريس من كتر ما ماما كانت دائمًا بتقول الريس، كان دائما يقول لي ذاكر كويس وعشان تدخل هندسة، وتحقق حلمك، وفضلت في البيت بعد وفاة الريس أكتر من ثماني سنوات".
ارتبط عبد الناصر بابنتيه ارتباطًا خاصا، فكانت هدى مقربة جدًا إليه حتى بعد زواج، وبعد أن مرض أباها تحملت مسئولية مساعدته وترتيب مواعيده في مكتبه داخل البيت، تقول هدى:«كنا أرغب أنا ومنى في تعلم قيادة السيارات، وأخبرناه بذلك ثم انتظرنا فترة طويلة حتى يجد في وقته فرصة لتعليمنا، طال الانتظار ظننا أنه نسى ما وعدنا به، لكنه فاجأنا ذات يوم، واصطحبنا بمفردنا، ليعلمنا القيادة».
كانت حديقة بيت المنشية استثنائية، ففيها جلس عبد الناصر لساعات مع أسرته، واسترجع ذكرياته مع الرفاق من مجلس قيادة الثورة، وخلال ممراتها ذهب وأتى مفكرا في أمر يجب أن يحسم، بل بين أشجارها أقيم حفل زفاف ابنته الأولى الذي أحياه كل من السيدة أم كلثوم، عبد الحليم حافظ وشريفة فاضل، وفيها وثق عبد الناصر بنفسه الذي عشق التصوير حفل زفاف ابنته الصغرى منى على الملازم أشرف مروان.
عشق عبد الناصر السينما، فكانت متعته الوحيدة إلى جانب التصوير، فأحب أفلام الكاوبوى الأمريكية، وكان حريصا أيضا على مشاهدة السينما الروسية والفرنسية واليابانية والإيطالية والهندية، وكانت أفلام عبدالحليم حافظ هي المفضلة لديه، وكان في البيت تليفاز في غرفة المعيشة يلتف حوله الجميعابالإضافة إلى آخر في مكتبه وغرفة نومه، وهنا يقول عبد الحكيم:« كان محمود فهمي، سكرتير الرئيس، يعرف مدى ولعه بالسينما، ويدرك أن وقته لا يسمح لمتابعة مفضلاته من الأفلام، فلجأ بحيلة وبشكل غير مباشر أن يقنعه بوجود شاشة سينما بالبيت، وبالفعل خصصوا لها جانبا في الطابق الأرض داخل غرفة السفرة، وكان في نفس الغرفة أحيانًا يجلس ناصر لمنتجة ما صوره من أفلام فيديو»
غرفة نوم جمال عبدالناصر، كانت متواضعة للغاية، بها هاتف وبعض الملفات وكتب، حيث كان قارئا نهما، وراديو، وشماعة خشبية علق عليها بيجامة من الكاستور صناعة حسين جنيدي، الترزي المفضل منذ أن كان شابًا قبل الثورة إذ كان يشتري قماش ملابسه من المحلة، ثم يحمله إلى الترزي، ليصنع منه القميص و«البنطلون» والبذلة والبيجامة مثله كباقي المصريين، أما الأحذية فكانت من لطفي، غرفته كان يربطها والطابق الأرضي أسانسير استحدث على البيت، عندما أصيب عبد الناصر في المرة الأولى بجلطة في الشريان التاجي، بعد عودته من الجبهة وهجوم الصهاينة على الزعفرانة أثناء حرب الاستنزاف، في سبتمبر ١٩٦٩م
في خريف ١٩٧٠ وتحديدًا بعد عام من أزمته القلبية الأولى، عاد ناصر إلى منزله مجهدا، تحدث قليلا مع أبنائه منى وعبد الحكيم، وعند الرابعة عصرًا، أخبر زوجته أنه يشعر بالإعياء وطلب الطبيب، لم يمر وقتً طويل حتي شعر عبد الحكيم ابن الخامسة عشر بغصة في قلبه، وانقلب البيت رأسًا على عقب، إلى أن سمع صراخ شقيقته منى، وهنا أدرك كل شيء، وأن شمس والده قد غربت.
«تسليم العهدة»، هكذا كان يطلق عبد الناصر على كل قطعة في البيت، يؤمن أن بيته ملك للشعب، فكيف يتملك شيئًا وهو المسئول عن التحول الاجتماعي في مصر، وبالفعل نادي الجميع بتحويل منزله إلى متحف يزوره محبوه من حول العالم، إلا أن مجلس الأمة آنذاك أصدر قرارا باستمرار عائلة الرئيس بالبيت، وظلت زوجته في حالة حداد عشرين عامًا حتى وافتها المنية ١٩٩٠، هنا قرر الأبناء تسليم البيت إلى الدولة، إلى أن تم افتتاحه كمتحف في عام ٢٠١٦ بالتزامن مع ذكرى وفاته الـ٤٦.
كانت حديقة بيت المنشية استثنائية، ففيها جلس عبد الناصر لساعات مع أسرته، واسترجع ذكرياته مع الرفاق من مجلس قيادة الثورة، وخلال ممراتها ذهب وأتى مفكرا في أمر يجب أن يحسم، بل بين أشجارها أقيم حفل زفاف ابنته الأولى الذي أحياه كل من السيدة أم كلثوم، عبد الحليم حافظ وشريفة فاضل، وفيها وثق عبد الناصر بنفسه الذي عشق التصوير حفل زفاف ابنته الصغرى منى على الملازم أشرف مروان.
عشق عبد الناصر السينما، فكانت متعته الوحيدة إلى جانب التصوير، فأحب أفلام الكاوبوى الأمريكية، وكان حريصا أيضا على مشاهدة السينما الروسية والفرنسية واليابانية والإيطالية والهندية، وكانت أفلام عبدالحليم حافظ هي المفضلة لديه، وكان في البيت تليفاز في غرفة المعيشة يلتف حوله الجميعابالإضافة إلى آخر في مكتبه وغرفة نومه، وهنا يقول عبد الحكيم:« كان محمود فهمي، سكرتير الرئيس، يعرف مدى ولعه بالسينما، ويدرك أن وقته لا يسمح لمتابعة مفضلاته من الأفلام، فلجأ بحيلة وبشكل غير مباشر أن يقنعه بوجود شاشة سينما بالبيت، وبالفعل خصصوا لها جانبا في الطابق الأرض داخل غرفة السفرة، وكان في نفس الغرفة أحيانًا يجلس ناصر لمنتجة ما صوره من أفلام فيديو»
غرفة نوم جمال عبدالناصر، كانت متواضعة للغاية، بها هاتف وبعض الملفات وكتب، حيث كان قارئا نهما، وراديو، وشماعة خشبية علق عليها بيجامة من الكاستور صناعة حسين جنيدي، الترزي المفضل منذ أن كان شابًا قبل الثورة إذ كان يشتري قماش ملابسه من المحلة، ثم يحمله إلى الترزي، ليصنع منه القميص و«البنطلون» والبذلة والبيجامة مثله كباقي المصريين، أما الأحذية فكانت من لطفي، غرفته كان يربطها والطابق الأرضي أسانسير استحدث على البيت، عندما أصيب عبد الناصر في المرة الأولى بجلطة في الشريان التاجي، بعد عودته من الجبهة وهجوم الصهاينة على الزعفرانة أثناء حرب الاستنزاف، في سبتمبر ١٩٦٩م
في خريف ١٩٧٠ وتحديدًا بعد عام من أزمته القلبية الأولى، عاد ناصر إلى منزله مجهدا، تحدث قليلا مع أبنائه منى وعبد الحكيم، وعند الرابعة عصرًا، أخبر زوجته أنه يشعر بالإعياء وطلب الطبيب، لم يمر وقتً طويل حتي شعر عبد الحكيم ابن الخامسة عشر بغصة في قلبه، وانقلب البيت رأسًا على عقب، إلى أن سمع صراخ شقيقته منى، وهنا أدرك كل شيء، وأن شمس والده قد غربت.
«تسليم العهدة»، هكذا كان يطلق عبد الناصر على كل قطعة في البيت، يؤمن أن بيته ملك للشعب، فكيف يتملك شيئًا وهو المسئول عن التحول الاجتماعي في مصر، وبالفعل نادي الجميع بتحويل منزله إلى متحف يزوره محبوه من حول العالم، إلا أن مجلس الأمة آنذاك أصدر قرارا باستمرار عائلة الرئيس بالبيت، وظلت زوجته في حالة حداد عشرين عامًا حتى وافتها المنية ١٩٩٠، هنا قرر الأبناء تسليم البيت إلى الدولة، إلى أن تم افتتاحه كمتحف في عام ٢٠١٦ بالتزامن مع ذكرى وفاته الـ٤٦.
حملت قاعات المتحف كل مقتنيات الزعيم الراحل والأوسمة والهدايا التي حصل عليها من مختلف دول العالم، وعدد من الرؤوس والتماثيل وصورًا أرخت لمحطات من تاريخه الحافل، ليظل عبد الناصر، الزعيم الحي «ماهو مامتش جمال عبد الناصر».