رئيس التحرير
عصام كامل

فقدت أباها وشقيقها في شهر واحد.. «فيتو» في منزل فتاة وعدها السيسي بحضور زفافها

فيتو

صباح الأحد الماضي، وبينما كان الرئيس عبدالفتاح السيسي، يشهد حفل تخريج دفعة جديدة من طلاب كلية الشرطة، وقع الاختيار على الفتاة أميرة نجلة الشهيد محمد سعد عايد، لتلقي كلمة احتفالا بتخرج شقيقها أحمد ضمن دفعة 2018.


استرجعت بنت التسعة عشر عاما خلال كلمتها ذكرياتها مع والدها البطل الشهيد، العميد بالقوات المسلحة، وجذبت أميرة انتباه الجميع بملامحها البريئة، وصوتها العذب، ومسحة الحزن البادية في عينيها.

توقف الرئيس السيسي أمام كلمة أميرة، خصوصا حين قالت إن أباها كان يحلم بيوم زفافها، وأنه كان يتمنى أن يزفها إلى عريسها، وهنا تدخل الرئيس في لفتة إنسانية، واعدا أميرة بحضور حفل زفافها قائلا:" إن كان يكفيك إن إحنا نحضر فرحك هنحضر فرحك".

"فيتو" التقت أسرة العميد الشهيد، وتعرفت على المواقف المؤلمة والمآسي التي عانت منها الأسرة التي استشهد عائلها جراء الإرهاب الغاشم الذي يضرب أمن واستقرار البلاد.

واقعة استشهاد الأب لم تكن هي المأساة الوحيدة في حياة أسرة أميرة، ففي صبيحة يوم الجمعة الموافق 28 نوفمبر 2014، كان الطفل يوسف محمد سعد عايد، صاحب التسع سنوات، يستعد للذهاب إلى طبيبه الخاص، الذي تردد عليه لنحو 3 سنوات قضاها داخل جنبات مستشفى المعادي العسكري، يصارع مرضا لا يعرف الرحمة أو الشفقة.

في تلك الأيام ساءت سمعة "يوم الجمعة"، كانت مرارة الهزيمة آثارها باقية في حلق قيادات الجماعة وأنصارها، تحولت الميادين إلى ساحات للمعارك وأعمال التخريب والإغتيالات وخاصة ضد رجال الشرطة والقوات المسلحة.

في السابعة من صباح الجمعة ذاتها، استيقظ العميد محمد سعد عايد - قوات مسلحة- في موعده المعتاد، لم يشأ أن يزعج زوجته، تحرك ببطء، تناول بدلته العسكرية وارتداها أمام المرآة، دقائق قليلة قضاها في الاستعداد للنزول، شعرت زوجته بحركته الخفيفة داخل غرفة النوم، فتحت عينيها بصعوبة ونطقت: "أنت صغرت 20 سنة مرة واحدة كده ليه".. تقول زوجة العميد محمد سعد عايد، شهيد القوات المسلحة، ووالد الطفل يوسف.

21 يوليو 2018، تجلس أميرة نجلة العميد محمد سعد عايد، في حفل تخرج دفعة جديدة من كلية الشرطة، مشاعر متضاربة من الفخر والسعادة ووخزات الحزن تمر عليها، تنساب الدموع من جفنيها دون أن تشعر، تقف تصفق بقوة لشقيقها، تجلسها والدتها، وتهمس في آذنها: "استعدي ستلقي كلمة أمام رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي"، تحاول أميرة أن تستجمع قواها وألا تسقط مغشية عليها من هول الموقف، تكتم آناتها، وتهدئ من روعها، أخذت نفسا عميقا، وتحركت من مقعدها في طريقها إلى المنصة التي ستلقي منها الكلمة، تقول أمير نجلة الشهيد محمد عياد، لتجذب انتباه العالم إلى المآسي التي يعاني منها عائلات وأسر ضباط القوات المسلحة والشرطة.

"لن أنسى يوم اغتيال والدي، استيقظت في الصباح، بحثت عن والدي في المنزل لم أجده، كنت أتمنى أن ألقاه قبل الذهاب إلى عمله، إلا أنه كعادته أستيقظ باكرا وذهب، جلست وحيدة في شرفة المنزل، سمعت هاتف والدتي يدق بشكل متواصل، أمسكت الهاتف وأجبت، كان أحد أصدقاء والدي على الطرف الثاني سألني عن والدي فأخبرته أنه ذهب إلى العمل، فطلب مني أن امرر الهاتف إلى والدتي"، تقول نجلة الشهيد.

أستيقظت الأم وشعرت بحركة نجلتها في الغرفة تطلب منها الحديث مع أحد أصدقاء والدها، تشعر الزوجة بالفزع والخوف يعرف طريقها إلى قلبها، تمسك الهاتف وتبدأ بالسؤال: "هما موتوه"، تقول زوجة الشهيد محمد عايد، عن لحظة اغتيال زوجها.

قبل تلك الأيام كانت تعيش أسرة عميد القوات المسلحة المكونة من 5 أفراد، زوج وزوجة، و3 أطفال، الأخ الأكبر أحمد – طالب بكلية فنون جميلة – الأخت الصغري أميرة في أولى سنواتها الجامعية بإحدى كليات الآداب، والطفل صاحب التسع سنوات المثقل بمرض يتحين الفرصة ليفتك به.

"كان يوم الجمعة 28 فبراير 2014 من المفترض أن نذهب إلى المستشفى من أجل زيارة علاجية دورية لنجلنا يوسف الذي يعاني مرارة أحد الأمراض القاتلة، لم يستطيع والده الذهاب معنا وأخبرني أن عليه أن يكون في موقع عمله، وسيتابعني بالهاتف وطبع قبلة على رأس نجله".

"قبل ذلك اليوم بثلاثة أيام راودتني بعض الأحلام لم أتبينها، لكنني أدركت فيما بعد أنها رسائل من الله، كان يخبرني أن يوم زوجي قد حان واختاره الله ليكون من الشهداء"، تقول زوجة الشهيد.

لم تشعر بنفسها عندما هاتفها أحد أصدقائه يخبرها أن تأتي لرؤية زوجها في المستشفى: "لحظات وأصبحت جاهزة للذهاب، لم أدر بنفسي إلا وأنا في داخل المستشفى، أتذكر عندما رأيت نجلي أحمد يبكي وكاد أن يقع، نهرته وشجعته: "وقفته قدامي وقلتله أنت سندي من بعد أبوك، يا تقف وقفة رجالة يا تروح البيت".. تصمت الأم والزوجة وتكمل: "كان نجلي رجلا على قدر المسئولية".

عن أيام الحنين والمواقف التي مرت على أسرة العقيد بعد استشهاده، تقول زوجته: "لم يفارقني يوما، ظل ملازمني طوال تلك الفترة، بعد وفاته بفترة قليلة تم قبول نجلي أحمد في كلية الشرطة، بعض الأهالي رفضوا وطالبوني بالحفاظ عليه واستمراره في كلية فنون جميلة، إلا أنه أخبرني برغبته في أن يكون ضابط شرطة، وأن يستكمل مسيرة والده، شعرت بفخر لكوني زوجة شهيد وأم بطل جديد مستعد أن يفدي أرضه وبلاده بدمائه".

تحاول الزوجة أن تمسك دموعها، وتستجمع قواها: "بدأ السكون يعرف طريقه إلينا لأيام قليلة، حتى وفاة نجلي يوسف بعد وفاة والده بـ 34 يوما فقط، المرارة زادت والآلم يعتصر قلبي، كان على أن أتحمل الضربات وألا أقع، فأنا الآن ألعب دور الأم والأب، تجرعت مرارة الفقد مرة أخرى، مواقف كثيرة كنت اأمني أن يشاركني فيها زوجي، كان سندي ودعمي الوحيد".

في الكلمة التي ألقتها أميرة أمام الرئيس السيسي تمنت أن يحضر يوم عرسها، تكشف أميرة عن سبب طلبها: "نجلة عمتي عانت من مرارة الكأس ذاته، استشهد والدها قبل يوم زواجها، ولعب والدي دور والدها في ذلك اليوم، وأمسك يديها وسلمها إلى زوجها، الآن سأختبر ذلك الشعور، فتشجعت لأن أطلب من الرئيس الحضور وغمرتني السعادة لتلبية طلبي".

"أنا اتحرمت من حنيته وطبطبته عليا واتحرمت من حاجات كتير هو كان ضهري وسندي في الحياة، كنا صحاب بجد، فيه حاجات كتير ناقصة من غيره".

الجريدة الرسمية