رئيس التحرير
عصام كامل

البحث عن رجل دولة


هل أتاك حديثُ وزيرة السلام الوطني، أم هل أتاك حديثُ المحافظ الذي أخبره إعلاميٌّ كبيرٌ أنَّ عقارًا آيلًا للسقوط في محافظته ولا بد من تدخله الفوري، فأجابه: "النهاردة الجمعة.. أنا إجازة"، أم هل أتاك حديثُ المسئول الكبير الذي أراد أن يُدلل على بساطة الحياة في مصر فأخبرنا أنه كان يغسل قميصه بـ30 دولارًا بإحدى الدول الأوروبية، وهل أتاك حديثُ المسئول الأثريِّ الذي أراد أن يُثبت قدرته على النفاق فامتدح ملامح الجماجم الثلاثة التي تم العثور عليها مؤخرًا بالإسكندرية، وهل أتاكَ حديثُ المسئولين المتورطين في جرائم جنائية، وهل أتاك وهل أتاك؟


هذه الوقائعُ وغيرُها كثيرٌ، وسوف تتكررُ مراتٍ ومراتٍ، ما يؤكدُ افتقاد المشهدَ السياسيَّ لـ"رجل الدولة" القادرِ على مخاطبةِ عموم الشعب بخطابٍ هادئٍ ومُقنعٍ، وليس خطابا زاعقًا واستفزازيًا ومثيرًا للصخبِ والتعليقاتِ الغاضبة.

الفترة القليلة الماضية.. شهدتْ انفلاتًا لفظيًا وأخلاقيًا من بعض المسئولين، قلَّ عددُهم أو كثُرَ، لا جدالَ في ذلك، والظاهرةُ تتسعُ ولا تنحسرُ، ما يتطلبُ من القائمين على اختيار المسئولين التدقيقُ وعدمُ التسرع، والعدالةُ وعدمُ المجاملة، وإنهاءُ أسطورة الاستغناء بأهل الثقة عن أصحاب الكفاءات.

السقطاتُ اللفظية أو الأخلاقية المتكررة لهؤلاء المسئولين تضعُ صانعَ القرار أمام تحدٍ صعبٍ، وهو السعئ إلى اختيار "رجال دولة حقيقيين"، للاضطلاع بمهامِّ دولةٍ تبحثُ عن نفسِها في مصافِّ الدول الكبيرة، الدولُ الكبيرة يبنيها رجالُ دولة حقيقيون، الألقابُ المضروبة، والبدلُ الثمينة، والإكسسواراتُ الفخمة، لا تصنع الرجالَ، بل يصنعُهم إتقانُهم لمهامهم، وما يبذلونه من جهدٍ حقيقيٍّ ومُخلص لخدمةِ وطنهم.

لم يعدْ مقبولًا، في عصر "السوشيال ميديا" تورطُ وزيرٍ أو أحد مساعديه، أو محافظٍ أو أحد معاونيه، في "واقعة رشوة أو اختلاس"، أو في "تصريحٍ سخيفٍ"، لم يعدْ هناك ما يمكن سترُه، ما يحجبُه الرقيبُ في الصحيفة، لن يُمكنه التدخلُ لحذفه من مواقع التواصل الاجتماعي.

يجبُ أن ينتهي زمنُ الاختياراتِ العشوائيةِ إلى غير رجعة، الأمورُ لم تعدْ تحتملُ تكرارَ سيناريو فيلم "معالي الوزير"، مصرُ تزخرُ بالكفاءاتِ الحقيقيةِ في المجالات المختلفة، الركونُ إلى اختيار شخصياتٍ مُستأنسةٍ غير قادرةٍ على ضبطِ تصريحاتها، لنْ يحقق إنجازًا، بلْ يضع هؤلاء المسئولين موضع "المُهرجين"، وهو ما لا نرضاه لهم، حتى لو اختلفنا معهم.

باختصارٍ شديدٍ.. "رجل الدولة" هو القادرُ على تفعيل أحكام الدستور، والحفاظِ على مصالح الدولة داخليًا وخارجيًا، الذي يتمتعُ بالهيبة والاحترام اللذين يوقران في عقيدة ونفوس المواطنين أنه رمزٌ للدولة، بما يوجب احترامه وعدم الاستهزاء به و"التلسين عليه".

"رجلُ الدولة" لا يصحُّ أن يكونَ مترددًا أو ضعيفًا أو ذا شخصية متناقضة، وأنْ يكونَ على علمٍ ووعيٍّ بالشئون المجتمعية العامة والإدراك بمتطلبات وهموم المجتمع بمختلف شرائحه والقدرة على مخاطبته، وأن يكون صريحًا وصادقًا مع شعبه.. فمتى يكون في مصر رجال دولة حقيقيون؟
الجريدة الرسمية