محمود علم الدين: الصحافة المصرية تواجه أكبر أزماتها.. وعليها إعادة اختراع نفسها
- جزء من مشكلات الصحافة المصرية هو الإبداع وهناك بعض الصحف توقفت عند الثمانينيات
- الصحافة الورقية تعانى أزمة وجود حقيقية
- هناك مؤسسات صحفية في اليابان يتجاوز توزيع صحفها 250 مليون نسخة يوميا
- توزيع الصحف الورقية بالهند 300 مليون نسخة يوميا وهو أكبر معدل على مستوى العالم
- تقدمت لاختبارات القبول بمعهدي السينما والإعلام ونجحت في كليهما وألفت 30 كتابًا
- برنامج متكامل لتطوير العنصر البشري في الصحافة القومية تطلقه الهيئة قريبا
بين إطلالة على الماضى، ورؤية ثاقبة مدعومة بخبرات السنين للحاضر والمستقبل، يدور هذا الحوار مع الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وعضو الهيئة الوطنية للصحافة.
"علم الدين" الذي يعتبر من أقدم أساتذة كلية الإعلام جامعة القاهرة، حيث تخرج في العام 1974، اهتم في دراساته بالإعلام الجديد، والإعلام العلمي، ورصد الواقع، واستشراف المستقبل، للتنبؤ بكل ما هو جديد في عالم الصحافة والإعلام.
"فيتو" التقت الدكتور محمود على الدين، في مكتبه، حيث تحدث عن نفسه وعن دراسته، باعتباره أكاديميًا كبيرًا، كما تحدث عن واقع الصحافة المصرية ومستقبلها، بوصفه عضوًا في الهيئة الوطنية للإعلام.
• في البداية نريد أن نتحدث بالتفاصيل عن النشأة والبدايات، ورحلة الدراسة والتفوق؟
النشأة كانت عادية، ولدت في القاهرة، وكنت طالبا طموحا، أسعى للنجاح، وكنت أحب القراءة كثيرا، ومتابعة النشاط الرياضي، والسياسي أحيانا، وقبل الثانوية العامة تركزت هواياتي في الجوانب الإبداعية، والقراءة في الأدب والقصة والشعر، والمسرح والسينما، ونتج عن هذا أنه عقب الحصول على الثانوية العامة، وبحكم مجموعي الكبير وقتها كان عليّ أن ألتحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، أو كلية الآداب، أو التجارة، وكانوا وقتها أعلى ثلاث كليات في التنسيق، لكني اخترت شيئا آخر.
- وما هو؟
تقدمت لاختبارات القبول بمعهد السينما، وكانت اختبارات تحريرية وشفهية، يقوم بها عمالقة السينما وقتها، ومنهم: سعيد الشيخ، جلال صالح، وبركات، وحصلت على المركز الأول في الاختبارات، وفي نفس الوقت تقدمت لاختبارات القبول بمعهد الإعلام قبل أن يتحول إلى كلية الإعلام، وكان يشرف على الاختبارات عمالقة الصحافة وقتها، وهم: جلال الحمامصي، جمال العطيفي، محمد فتحي، والدكتور إبراهيم إمام، وآخرون، وأيضا حصلت على المركز الأول فيها، فسحبت أوراقي من اختيار التنسيق الأول وهو كلية الآداب بجامعة عين شمس، وقدمتها في معهد السينما ومعهد الإعلام بجامعة القاهرة، وظللت 6 أشهر أدرس في المعهدين، حتى جاءت لحظة الحسم فاخترت معهد الإعلام.
• لماذا فضلت دراسة الإعلام عن دراسة السينما؟
جزء من السبب كان الإعجاب والانبهار بنماذج كانت موجودة في المعهد تُدرس لنا، على رأسها: الصحفي الكبير الأستاذ جلال الدين الحمامصي، رئيس تحرير جريدة الأخبار وقتها، ومؤسس العديد من الإصدارات، والأستاذ كمال عبد الرؤوف، مدير تحرير أخبار اليوم، والدكتور جمال العطيفي أحد الكتاب البارزين، فهؤلاء كانت لهم علىّ أيادٍ بيضاء في بدايات حياتي، إلى جانب أساتذة عظام آخرين، وكنت أقضي وقتي في الكلية بين الدراسة الأكاديمية، وبين التدريب في جريدة صوت الجامعة، التي كانت تصدرها الكلية، ثم اختارني الأستاذ كمال عبد الرؤوف للتدريب ثم العمل بجريدة أخبار اليوم، منذ كنت طالبا، وحتى عدة سنوات طالت ووصلت لقرب 14 عاما، وتخرجت في الكلية بتقدير جيد جدا، وكان ترتيبي الأول على الدفعة، فعُينت معيدا، وبعد التعيين أديت الخدمة العسكرية، وكانت الدفعة التي معي في الجيش دفعة فنية في المقام الأول، فكان بها: الفنان هاني شاكر، والفنان أحمد سخسوخ، الدكتور سامي عبد العزيز، والدكتور عدلي رضا رحمه الله، والدكتور جمال سلامة، وعازف الناي الدكتور محمد عبد النبي.
• من كان وقتها من الرموز الإعلامية مثلك الأعلى في مجال الصحافة والإعلام بشكل عام؟
كان على رأسهم جلال الدين الحمامصي، وحافظ محمود، وموسى صبري، ومصطفى أمين وعلى أمين، ثم بعد ذلك أعجبت بمدرسة أخبار اليوم، وكان فيها إبراهيم سعدة، وسعيد سنبل، ومن الأهرام، محمد حسنين هيكل، وعلي حمدي الجمال، حتى إبراهيم نافع، وكان من حسن حظنا كجيل أننا عشنا في عصر نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وثروت أباظة، وطه حسين.
• ما الذي حرصت عليه في بحوثك الإعلامية، وما هي أبرز مؤلفاتك؟
ركزت في دراساتي الإعلامية على الجوانب الإبداعية والإنتاجية، في العمل الصحفي، وكتبت أول مؤلف لي منذ 37 عاما، وكان باسم: "الصورة الفوتوغرافية في مجال الإعلام"، وصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1981، وقدمه أحد الأساتذة العمالقة، الدكتور خليل صابات، وكان صاحب مبادرة تشجيعي على النشر، الكاتب والمبدع الراحل سعد الدين وهبة، والدكتور محمود الشميطي، رئيس الهيئة العامة للكتاب ثم توالت الكتب وتجاوزت الثلاثين كتابا حتى الآن، آخرها كتاب "السلطة الخامسة"، الذي يتحدث عن تراجع وسائل الإعلام التقليدية، وصعود صحافة وإعلام المواطن، ففي رأيي: الإعلام الجديد، وخاصة؛ الإعلام الاجتماعي، الممثل في مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح يشكل السلطة الخامسة، التي تغير المجتمعات الآن، وتهددها أحيانا، وتقسم العالم إلى مرحلتين، مرحلة قبلها وهي مرحلة الحقيقة، والمرحلة الحالية، هي مرحلة الأخبار المزيفة، أو مرحلة ما بعد الحقيقة.
• كيف اختلفت دراسة الإعلام في الماضي عن الوقت الحاضر، وما رؤيتك لدراسة الإعلام ودورها بشكل عام؟
هناك تطور في دراسات الإعلام بلا شك، ويوجد كذلك تطور في الجوانب التدريبية والعملية، وتحاول الكليات أن تكون متابعة لما يحدث في العالم، فالإعلام كله مهدد بأزمة وجود، بسبب السوشيال ميديا، ليس الصحافة فقط بل التليفزيون أيضا، فصحافة الفيديو قضت على نشرة الأخبار، ويوتيوب قضى على الدراما التليفزيونية، فالمستقبل الآن للبث الرقمي على شبكة الإنترنت، لذا فهناك حاليا إشكالية في تدريس الإعلام، ومن هنا يجب أن تطور كليات الإعلام من نفسها، وإلا ستصبح مهارات ومعارف الشباب العادي أكثر من مهارات ومعارف خريجيها، ويجب كذلك مراجعة الأعداد التي يتم تخريجها كل عام حتى تتناسب مع احتياجات سوق العمل.
• ما رؤيتك للمشهد الصحفي والإعلامي في الوقت الحالي؟
المشهد ليس سيئا للغاية، لكنه مختل بسبب السياق الذي حدث في المجتمع، والفوضى التي حدثت بعد 2011، فكانت هناك فوضى اقتصادية وسياسية واجتماعية، انعكست على أداء الإعلام، وتمثلت الفوضى الإعلامية في كثرة عدد الإصدارات واختلال المعايير واختلال الأجندة، والتركيز على قضايا هامشية، وعدم قيام الإعلام بدوره في ترشيد الأداء السياسي، لكن أعتقد أنه في السنوات الأخيرة وبدءا من 30 يونيو 2013، لعب الإعلام دورا في إعادة التوازن للحياة السياسية والاقتصادية في مصر، ونأمل أن تنتهي الفوضى الإعلامية والانفلات الإعلامي تماما في ظل القوانين الجديدة لتنظيم الصحافة والإعلام.
• هل تتوقع أن يسهم قانون تنظيم الصحافة والإعلام في ضبط الأداء الإعلامي بالفعل؟
بلا شك، فهو يضع الأساس القانوني لضبط العمل الإعلامي وتنظيمه، والآليات المرتبطة بإصدار قنوات فضائية، وصحف جديدة، وتنظيم النشر الإلكتروني والرقمي، حتى المادة التي عليها جدال، والمرتبطة بصفحات التواصل الاجتماعي، هي محاولة لضبط الأداء في هذه الوسائل، فهو قانون شديد التوازن، ويعطي ضمانات للعمل الصحفي والحريات، وهناك برنامج متكامل لتطوير العنصر البشري في الصحافة القومية ستطلقه الهيئة الوطنية للصحافة قريبا، لكن لابد أن يواكب هذه القوانين مسار يضبط الممارسات والقيم المهنية من خلال مواثيق الشرف، والنقابات، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بحيث تكون هناك مجموعة من القيم الإيجابية التي تسعى المؤسسات إلى تحقيقها، وتساهم في تطوير المجتمع.
• كيف ترى مستقبل الصحافة المصرية؟
نحن نعيش في عصر تعاني فيه الصحافة المصرية من أكبر أزمة واجهتها في التاريخ، فكانت في الماضي تعاني من أزمة اقتصادية، من عدم مواكبة مهارات ومعارف الصحفيين للتطورات، من عدم تطور تكنولوجي، أو أزمات ورق وأحبار وخلافه، أما الأزمة التي تواجهها الصحافة حاليا هي أزمة وجود، أن تكون أو لا تكون، وبالتالي لكي تظل الصحافة المطبوعة قائمة، عليها أن تعيد اكتشاف واختراع نفسها، وهذا يبدأ بأن أعرف وأرصد وأتابع ما يحدث في صحافة العالم.
فلا بد من الانفتاح على العالم، وفهم طبيعة ما يحدث، حتى نستطيع أن نطور ما عندنا، فأي تطوير يحدث في المواقع المصرية يستند إلى رصد ومتابعة ما يحدث في المواقع العالمية، فجزء من مشكلات الصحافة المصرية في رأيي، هو مشكلة الإبداع، فهناك جفاف إبداعي في الصحافة المصرية، وهناك بعض الصحف توقفت عند الثمانينيات، وحل تلك الأزمة أن نرصد ما يحدث في العالم، وتكون لنا رؤيتنا الإبداعية المجددة.
وعلى الرغم مما يقال بأن الصحافة المطبوعة انتهت، إلا أن الأرقام تقول أن عدد من يقرأون الصحف في العالم بشكل منتظم 2.5 مليار شخص، صحيح أن من يدخل يوميا على جوجل أكثر من 4 مليارات، ومن يتعامل مع "الموبايل" أكثر من 5 مليارات، إلا أنه لا يزال 2.5 مليار يقرأون صحافة مطبوعة وهذا رقم ليس قليلا، فهناك مؤسسات صحفية في اليابان يتجاوز توزيع صحفها 250 مليون نسخة يوميا، وفي الهند يتجاوز توزيع الصحف الورقية بها 300 مليون نسخة يوميا، وهو أكبر معدل على مستوى العالم.
إذا تستطيع الصحافة أن تعيش وتصمد وتزدهر إذا طبقت الصيغ المناسبة للتعامل مع هذا العصر الرقمي، فلا يهم السبق والانفراد، لكن الأهم الذي يبقى هو العمق والتفاصيل، والحكايات والروايات والسرديات حول كيف وقع الحدث ومن صنعه وما هي تداعياته المستقبلية.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو..