كيف تتعاظم اقتصاديات الدول؟!
أثناء مشاركتي في صياغة رؤية الأمم المتحدة ٢٠٣٠ التي تواكبت معها لاحقا خطة مصر ٢٠٣٠ كان الهدف هو تحقيق تنمية مستدامة شاملة لدول العالم والتي تتكامل من خلال إحداثيات العولمة لتحقيق عالم أفضل.
الدراسة التي شارك فيها قادة العالم لم تكن مجرد احلام أو طموحات خيالية، وإنما دراسة مستفيضة صاغها نحو تحقيق أهداف سبقها تحليل لعوامل ازدهار لتجارب دول حققت نجاحات ونتائج ملموسة، ولعل إدراك الحكومة لذلك الأمر ساعد على إصرارها على تفعيل الأهداف على المدى القصير والطويل لتحقيق الازدهار لمصر.
أثناء الدراسة لفت نظري أن هناك دولا حققت ثراء فاق دولا أخرى خلال العقدين الماضيين، وعند تحليل أسباب الثراء الاقتصادي لفت نظري تعاظم قوة اقتصاديات دول عن منافسيها، ولعل الولايات المتحدة الأمريكية هي تجربة اقتصادية تستحق الدراسة ولها بعض مظاهر التميز حققت لها التفوق والاستدامة.
الجامعات والمراكز البحثية:
تعمل المنظومة البحثية الأمريكية على استقطاب النابغين وتوطينهم وتطوير أبحاثهم ولعل من الثابت إحصائيا هو زيادة سكانية مستمرة ناتجة عن الهجرة ولكن لأصحاب العقول والمواهب من خلال مناخ جاذب مستقر يضمن تفوق علمي مستمر.
التعليم الأمريكي يعتبر الإبداع هو محور تميزه الذي يعمل على تطويره ويعتقد مُتَّخِذ القرار الأمريكي أن الإبداع هو مصدر التفوق الحضاري.
دعم ثقافة العمل والإنتاج:
رغم مستويات الرفاهية العالية ولكن ما زال العامل الأمريكي هو الأكثر إنتاجية عن اقرانه بمعدل ١٨٠٠ ساعة سنويا، اَي بمتوسط ٧.٥ ساعة عمل وإنتاج فعلي يوميا.. من خلال تحفيز الإنتاج بالدخل وتوفير حياة كريمة ودعم ثقافة الإنتاج واحترام شتي فئات العاملين بالمجتمع، من خلال برامج إعلامية ورموز مجتمعية داعمة لثقافة العمل.
تشريعات وقوانين سلسة:
تتميز القوانين الأمريكية بكونها أكثر ليونة وقابلية للتغيير عن مثيلاتها الأوروبية لتحفيز الاستثمار والإنتاج بل وللشركات المتعددة الجنسيات التي يتمركز جزء كبير منها في الولايات المتحدة.
ربط التعليم بأسواق العمل:
من خلال منظومة نقابات قوية تستطيع الدولة تقليل معدلات البطالة والتغلب عليها بالتنسيق مع النقابات المهنية والعمالية... لتحقيق معدلات الرخاء المنشودة نحو المواطن.
تمكين الإبداع وريادة الأعمال:
تعمل الحكومة الأمريكية على دعم واجتذاب رواد الأعمال والمبدعين وتعتبرهم مستقبل أمريكا نحو التفوق وتوفر بيئة لاحتوائهم مثل وادي السيلكون ومنها خرج فيس بوك والابل.. وهناك العديد من المنصات التي أسستها جامعات وتتميز ريادة الأعمال في أمريكا انها توفر الدعم المالي اللازم من شركات القطاع الخاص بالتمويل والرعاية اللازمة لإنجاز المشروعات.. وبالإضافة إلى قروض ميسرة ولعل أهم القطاعات هي مجالات الذكاء الصناعي.
اللامركزية :
أن المنافسة بين الولايات الأمريكية في استنباط مزايا اقتصادية أو بيئة جاذبة للاستثمار أو للمبدعين حققت نتائج قوية إلى جانب شعور المواطن بالمسئولية عن اختياراته السياسية أو انتماؤه للولاية والمال العام الناتج من الضرائب، لأنه مصدر تعليم افضل ورعاية صحية أرقي.
القطاع الخاص والشركات متعددة الجنسيات:
حللت الدراسات في عام 2009 إلى أن القطاع الخاص يمثل 55.3% من الاقتصاد بينما يمثل نشاط الحكومة الفيدرالية 24.1% وأنشطة حكومات الولايات والسلطات المحلية (بما فيها التحويلات الفيدرالية) 20.6% المتبقية اَي أن القطاع الخاص هو عَصّب الاقتصاد الأمريكي.
تقع ٤٠٪ تقريبا من مقرات الشركات المتعددة الجنسيات في الولايات المتحدة بسبب الامتيازات والحماية الدولية وتعتبرها حكومة الولايات المتحدة ذراعا اقتصاديا لها في أنحاء العالم فتوفر لها الدعم.
تحقق الشركات متعددة الجنسيات٨٠٪ من مبيعات العالم وهو ما يحدد قوتها الاقتصادية وقدرتها التسويقية والإنتاجية التي ساعدتها على بسط نفوذها الاقتصادي على حركة التجارة العالمية ولعل مستقبل العالم سيؤول يوما إلى هيمنة هذه الشركات بقدراتها التنافسية والإنتاجية.
مصادر الطاقة:
تضمن الولايات المتحدة مصادر الطاقة سواء من الدول المنتجة أو من مواردها بالإضافة إلى أبحاث تحقق لها استقرار المنظومة الإنتاجية.
أن تحقيق الثراء والاستدامة للدول لا يتحقق الا من خلال دعائم تضمن الاستقرار والتنمية والرفاهية للمواطن وتضمن الاستقرار والتفوق للدولة.