لماذا المتهم بريء حتى تثبت إدانته؟!
اهتمت المواثيق وإعلانات حقوق الإنسان بالحرية الشخصية للإنسان اهتمامًا كبيرًا منذ الميثاق الكبير أو "الماجنا كارتا" في إنجلترا الذي وضُع في عهد الملك جون في 15 يونيو 1215، وفي العصر القريب صدر إعلان فرجينيا للحقوق عام 1776 وإعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي في 27 أغسطس 1789 وإعلان الحقوق الصادر في يونيو 1773، وتم ترجمة هذه الإرهاصات بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة بهيئة الأمم المتحدة، وتم نشره في ديسمبر 1941.
و"العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" صدر بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 ديسمبر 1966، ودخل حيز التنفيذ في 23 مارس 1976، ونفذ في مصر في 14 أبريل 1982، ونصت المادة التاسعة منه على عدة ضمانات للأفراد في مجال الاتهام الجنائي، بأن لكل فرد حقا في الحرية والأمان على شخصه، وأنه لا يجوز تقييد حرية أحد أو اعتقاله تعسفًا، إلا لأسباب ينص عليها القانون، مع إبلاغ أي شخص سريعا، يتم تقييد حريته بالأسباب، والتهم الموجهه إليه، ويقدم المحبوس أو المعتقل بتهمة جنائية سريعًا، إلى أحد القضاة أو أحد المخولين قانونًا بمباشرة وظائف قضائية، ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه.
ولا يجوز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة، ولكن من الجائز تعليق الإفراج عنهم على ضمانات لكفالة حضورهم المحاكمة في أية مرحلة أخرى من مراحل الإجراءات القضائية، ولكفالة تنفيذ الحكم عند الاقتضاء.
ولكل شخص حُرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال أو التوقيف غير قانوني، مع حقه في الحصول على تعويض، حيث نصت المادة 14 من ذات العهد على أن الناس جميعًا سواء أمام القضاء، ومن حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون، ويعتبر كل متهم بارتكاب جريمة بريئًا إلى أن يثبت عليه الجرم قانونًا.
وتجدر الإشارة إلى أن أي نظام اتهامي يترتب عليه توقيع جزاء جنائي أو تأديبي يتعين معه أن يتم سؤال المتهم أو استجوابه ومواجهته بالاتهامات المنسوبة إليه، ويهدف قانون الإجراءات الجنائية إلى كفالة حق الدولة بالعقاب عن طريق منحه للسلطة القضائية حقًا في البحث والتحري وجمع الأدلة، وأجاز لها مباشرة إجراءات معينة للوصول إلى الحقيقة، وبالمقابل فإنه قد وضع قيودًا على هذه السلطة بوصفها ضمانات للمتهم ليتمكن من معرفة ما له من حقوق، وينظم الوسائل الدفاعية التي سلكها في سبيل حمايته، والاستجواب كإجراء تحقيق له هدفين، فهو أولًا وسيلة لكشف الحقيقة بوصفه إجراء من إجراءات جمع الأدلة، وهو ثانيًا وسيلة دفاعية بوصفه قيدًا على السلطة القضائية يمكن المتهم من أن يعلم بالتهمة الموجهة إليه وبالأدلة المقامة ضده، ليتاح له إبداء ما يساعده في كشف براءته.
ومن الضمانات الجوهرية التي حرص المشرع على مراعاتها في التحقيق الإداري مبدأ المواجهة، وذلك بإيقاف العامل على حقيقة التهمة المسندة إليه وإحاطته علمًا وبمختلف الأدلة التي تشير إلى ارتكابه المخالفة حتى يستطيع أن يدلي بأوجه دفاعه، وأنه يلزم حتى تؤدي مواجهة العامل بالتهمة غايتها كضمانة أساسية للعامل أن تتم على وجه يستشعر منه العامل أن الإدارة بسبيل مؤاخذته إذا ما ترجحت لديها إدانته، حتى يكون على بينة من خطورة موقفه فينشط للدفاع عن نفسه ولا يغني عن هذه المواجهة مجرد القول إن المخالفة ثابتة ثبوتًا ماديًا.
كما أن القرار الصادر بالإحالة إلى المحاكمة التأديبية يُعد جزءًا من إجراءات الدعوى التأديبية وهو بهذه المثابة يخضع لرقابة المحكمة، فلها أن تقضي ببطلانه وعدم مشروعيته من تلقاء نفسها إذا كان ذلك القرار صدر مفتقدًا لأساس مشروعيته، سواء من سلطة غير مختصة أو لإحالة العامل للمحاكمة عن مخالفات لم يجر مع المحال تحقيقًا بشأنها، ولا يؤثر في ذلك ما قد يقال بشأن حق المحكمة التأديبية في استجواب المحال أو استكمال ما شاب التحقيق من نقص، أو أن المحال قد مثل أمام المحكمة وأبدى دفاعه، وذلك مردود بأن الأصل هو استقلال سلطة التحقيق عن سلطة المحاكمة، وأنه وإن كان يجوز للمحكمة استجواب العامل المقدم للمحاكمة وسماع الشهود والعامل وغيرهم فإن هذا الاستجواب وسماع الشهود يجب أن يكون لاحقًا على تحقيق مستوفى لشروطه وأسباب صحته قانونًا أي باستكمال نقص في تحقيق قائم لا عمل تحقيق مبتدأ..
وللـحـديـث بـقـيـة..