في وداع الشيخ محمود عاشور
كان الشيخ المستنير يلقي محاضرته وسط المئات من أبناء الإسكندرية، الذين جاءوا من كل الأحياء للاستماع إلى رؤيته والحوار معه، حول آراء يطرحها تثير الجدل، وبينما الرجل يتحدث قاطعه أحد الحاضرين من الصفوف الخلفية.. بصوت جمهوري: يا رجل أنت لا تلتزم بتعاليم الإسلام؟
اتجهت العيون إلى مصدر الصوت.. بينما المفاجأة تلجم ألسنتهم للحظات، ثم توجه البعض نحو الرجل لطرده من المكان عقابا له على تصرفه الأحمق، لكن الشيخ طالبهم بالهدوء.. ودعا الشاب للتوجه نحو المنصة.. وسأله: كيف أصدرت الحكم على بأنني لا أتبع تعاليم الإسلام؟
اتجهت عيون الحاضرين إلى المنصة.. لمتابعة المشهد المثير.. رد الشاب: لأنك حليق الذقن.. ولا تقتدي بالسلف الصالح.
كان الاستفزاز قد بلغ بالحاضرين مبلغه وانتظروا من الشيخ أن يعنف هذا الشاب الذي أساء الأدب ولكنه ناقشه بصبر يحسد عليه وقال له: هل يوجد نص في القرآن يفرض على المسلم أن يطلق لحيته، ولو أن لديك حديثا نبويا موثوقا حول إطلاق اللحية أرجوك أطلعني عليه؟
فرد الشاب: لا أعلم ولكن شيوخنا الأفاضل قالوا لنا إن اللحية فريضة إسلامية.
وهل من تصفهم بأنهم من الشيوخ الأفاضل حصلوا على علمهم من مؤسسات دينية معترف بها.. أم أنهم مجتهدون؟
شيوخنا من السلف الصالح، لا علاقة لهم بالمؤسسات التابعة للدولة.
واضح أنك شاب في مراحل الدراسة الجامعية.. أي دراسة حصلت عليها؟
أنا خريج مدرسة الصنايع.. وأحصل على العلم من شيوخي الكرام...
اطمئنك يا ولدي.. أنه لا يوجد في الإسلام تعاليم تفرض على المسلم إطلاق لحيته.. الإسلام يا ولدي يهتم بالجوهر لا بالمظهر.. والعلم الديني يا ولدي لا يؤخذ من الهواة.. إنما من العلماء الذين قضوا سنوات طويلة في تحصيل العلم.
لا تفارقني تلك الواقعة التي حدثت منذ أكثر من ربع قرن، وكلما كنت ألتقي الشيخ المستنير محمود عاشور.. أذكره بها.. ونضحك معًا.. تعرفت على الرجل منذ أكثر من ثلاثين عاما من خلال أنشطة الهيئة الإنجيلية للخدمات الاجتماعية «منتدي حوار الثقافات».. الذي كان يثير قضايا تتعلق بالوحدة الوطنية، وكان الشيخ عاشور مدافعا عنها بقوة..
ويري أن الخطر الأكبر على هذا الوطن يكمن في إشعال الفتن الطائفية، وامتلك الشجاعة لكي يواجه شيوخ السلفيين، الذين اتهموا التيارات العلمانية بالكفر.. وقال هل اطلعتم على قلوب الناس، وحذر من الإخوان قائلا إنهم يأخذون الإسلام سلما للحكم.. رحم الله الصديق والشيخ المستنير محمود عاشور.