المضحك والمبكي في «براجماتية» نظام الثانوية العامة الجديد
لا أعرف متى ستتوقف "افتكاسات" وزراء التعليم أو مستشاريهم في التجريب لتطوير التعليم عن طريق قفزات مصيرها الفشل، بدلا من السعي لحل المشكلات الأساسية لتطوير التعليم.
عباقرة وزارة التربية والتعليم الذين غاب عنهم السياق الاجتماعي يظنون أن التكنولوجيا ستحل لهم مشكلة الدروس الخصوصية والامتحانات التقليدية ، والمضحك في الموضوع أن النظام الجديد يتم وصفه على طريقة "على بك مظهر".."هوب..التعليم..أوبا". ضحكت عندما قرأت عن النظام الجديد من همي، وأنا أقول لنفسي متى سيتعلمون!.
والمبكي هو الأموال التي سيتم إنفاقها بلا فائدة، والدوامات التي سيدخلها الطلاب وأهاليهم، والفشل الذي ينتظر التجربة الجديدة بعد نظام الثانوية العامة المبني على سنتين، والذي مد كابوس الثانوية العامة لعامين بعد أن كان عاما واحد، وها هو الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم سيجعل المرحلة الثانوية كلها كابوسًا.
وقبل الدخول في مشكلات نظام الثانوية العامة الجديد، دعوني أطمئن مستشاري وزير التربية والتعليم الذين وضعوا هذا النظام لأقول لهم: إن بنك الأسئلة الذي يظن البعض أنه سيتغلب على مشكلة الدروس الخصوصية والحفظ سيكون معروفا لدى مدرسي الدروس الخصوصية عبر الأسئلة التجريبية التي ستضعها الوزارة، والحقيقة أن وزارة التربية والتعليم سهلت من مهمة مدرسي الدروس الخصوصية، ففي النظام الحالي سيقوم مدرسو الدروس الخصوصية بالشرح في "السناتر" وبمراجعات على الأسئلة والامتحانات في نهاية العام. النظام الجديد سيسهل من مهمة أباطرة الدروس الخصوصية فكل ما عليهم الآن تدريب الطلاب على الأسئلة وسيقل الاعتماد على شرح المنهج للطلاب.
"التابلت" العبقري الذي سيتم توزيعه والمتصل بشبكة الإنترنت الـ4G سيقوم بسحب الأسئلة بطريقة– ربما عشوائية– من بنك الأسئلة، ولكنه لن يخلق أسئلة جديدة غير موجودة. وكل المطلوب من مدرسي الدروس الخصوصية هو جمع أكبر عدد من الأسئلة وتدريب الطلاب عليها.
من المحزن أن مستشاري وزراء التربية والتعليم اتجهوا للتفكير البراجماتي، والمؤسف أن الغايات والأهداف الحميدة التي ينشدونها لن تتحقق مع "التابلت"، فالتكنولوجيا محكومة قبل كل شيء بسياق اجتماعي واقتصادي وتعليمي.
من بين مشكلات نظام الثانوية العامة الجديد افتقاده لفهم السياق الاجتماعي، وربما بنى الدكتور طارق شوقي ومستشاريه فكرة "التابلت" على أساس أن كل فرد في مصر معه جهاز موبايل ونسى "معاليه" أن الاستخدام الشخصي شيء والتعليم شيء آخر. كانت الفكرة ستكون مطروحة حال كانت وزارة التعليم والمدارس متصلة بشبكة إنترنت قوية. غياب وجود بنية تكنولوجية صلبة وخدمات دعم فني فائق في الوزارة وفي المدارس سيعصف بهذه التجربة.
أليس من المضحك أن تحاول المدارس الاتصال على شبكة الـ4G لإجراء امتحانات، وتجد أن هناك مشكلات في الشبكة ليتم بعدها تأجيل الامتحانات، هذا بخلاف الشكاوى الناتجة ضعف الاتصال بالشبكة ليتطلب الأمر وقتا أكثر لبعض الطلاب لأداء الامتحانات.
المشكلة الثانية في هذا النظام هو خدمة الدعم الفني لأجهزة التابلت والحفاظ عليها بشكل يضمن استمرار التجربة..فالوزارة ستقوم بتوزيع مئات الآلاف من أجهزة "التابلت على الطلاب".
ولا أعرف من "العبقري" المسئول عن تحويل تجربة الامتحانات إلى "تعليم متكامل عن بعد"، فإعطاء كل طالب جهاز تابلت سيتبعه مشكلات تقنية من أعطال تصيب الأجهزة كنتيجة حتمية لافتقاد كيفية المحافظة عليه، بخلاف المشكلات الناتجة عن ضياع الأجهزة. فكان من الأفضل أن يتم تدريب الطلاب على الامتحانات في المدرسة على أن تكون أجهزة التابلت موجودة في معامل موجودة بالمدارس، أم أن وزارة التربية والتعليم ترغب في استخدام التكنولوجيا دون توفير "بيئة تكنولوجية سليمة".
المشكلة الثالثة أن النظام الجديد لم يرع قدرات الطلاب ولم يمهد له عن طريق اختبار هؤلاء الطلاب ومدى قدرتهم على التجاوب مع هذا النظام. وساستفيض هنا إذ أقول إن النظام الجديد يجب أن يعتمد على أسئلة مغلقة فقط إذا أرادت الوزارة له النجاح. والأسئلة المغلقة هي التي تتيح للطالب مجموعة من الإجابات ليختار منها وهو يقلل من قدرة الطالب في التعبير عن نفسه، وهو لن يصلح للأسئلة التي تتطلب من الطالب أن يكتب لشرح قطعة إنجليزية ما، أو لكتابة موضوع تعبيري.
وكيف لطالب أن يكتب على "التابلت" بشكل سريع، وهو ربما لم يتدرب على استخدام "الكي بورد" المتصل بجهاز الكمبيوتر العادي للطباعة أو الكتابة بشكل سريع، وماعلمته أيضا أن تصحيح الامتحانات سيتم بشكل إلكتروني من خلال عشرة مصححين غير مرتبطين ببعضهم البعض، ولا أعرف ماهية الهدف من ذلك كون الأسئلة ستكون مغلقة، فجهاز الكمبيوتر يجب أن يظهر للطالب النتيجة خلال دقائق وفقا للإجابات النموذجية المحفوظة في بنك الأسئلة، ولا أعرف ما هو دور المصحح هنا.!
المشكلة الرابعة في نظام الثانوية العامة الجديد، هو تكلفته الباهظة والمتجددة، فشراء مئات الآلاف من أجهزة سيتطع ميزانية متزايدة. المفروض أن الوزارة ستضع نظاما لسنوات وسيكون هناك فاقد في الأجهزة – ناتج عن الأعطال وضياع الأجهزة.
المحزن أيضا في هذه التجربة أن الوزارة ستنفق ملايين الجنيهات على تجربة يمكن حلها عن طريق العنصر البشري، وسأقدم اقتراحا لوزير التربية والتعليم في هذا الصدد، من الممكن أن يتم إجراء الامتحانات في المحافظات في شهور مختلفة ليتم توجيه فريق من الموجهين من محافظات مختلفة وفقا لجدول ثابت، ويكون المطلوب من كل موجه إعداد أسئلة خاصة بالامتحان في هذه المدرسة خلال يومين على الأكثر.
الدول المتقدمة لا تقيس تقدم التعليم فيها بعدد "أجهزة التابلت" التي يتم توزيعها على الطلاب، أصلحوا التعليم كما عرفناه جميعا في الدول المتقدمة عن طريق إنشاء بنية أساسية وتكنولوجيا سليمة للمدارس، ومن خلال دورات مياه ومعامل نظيفة، وتقليل كثافات الفصول، ومن خلال تأهيل المعلمين بشكل مستمر وزيادة رواتبهم بما يتناسب مع دور المعلم، وبطرح مجموعات تقوية في المدارس للتغلب التدريجي على الدروس الخصوصية، وكفاكم تجريبا في الطلاب وأهاليهم.