رئيس التحرير
عصام كامل

قرية الفنون والحرف في غزة.. صرح فني اغتالته يد الصهاينة (صور)

فيتو

مع حلول مساء السبت الماضى، خرجت كثير من الأسر إلى منطقة أرض الكتيبة في غزة، بغرض التنزه، هربًا من حر يوليو في ظل انقطاع الكهرباء.

كان المكان مكتظًا بأطفال يلعبون هنا وهناك، وكانت ضحكاتهم تملأ الأجواء مرحًا، ولكن ثمة صوت انفجار مدوٍ، غطى على كل الأصوات الموجودة في المكان، أصوات قصف الطيران الحربي الإسرائيلي بالصواريخ، تتوالى على مكتبة عامة تابعة لوزارة الثقافة الفلسطينية، الدمار لم يطل هذا الهيكل الأسمنتى وحده، بل خلف أيضًا خسائر بشرية، فقد قتل طفلين، لم تتجاوز أعمارهما الـ 15 عاما، وتضررت المساكن المحيطة بالمبنى، وطالت يد التدمير أيضَا قرية الفنون والحرف في غزة، تلك القرية التي كانت منبرًا ثقافيًا وفنيًا في القطاع، ومزارًا يسعى للحفاظ على هوية الفنون والحرف التراثية الفلسطينية.






كانت قرية الفنون والحرف تلك صممها المعمارى الفلسطيني رشيد عبد الحميد، واعتمد على مواد بناء محلية وكذلك الأيدي الفلسطينية، ونفذ بناء القرية بالطين، مستلهمًا أعمال المصري حسن فتحى، معتمدًا على تمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وقام بالتنفيذ والإشراف المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار " بكـدار"، ضمن برنامج خلق فرص عمل، وفي عام 1999 أصبحت القرية حقيقة.





كانت هذه القرية التي تديرها بلدية غزة بمثابة ذكرى من أجمل الذكريات بالنسبة لرشيد حتى بالرغم من أنه ابتعد عن غزة، مدينته المفضلة في فلسطين، منذ 10 سنوات، فهى أحد إنجازاته ومنارة ثقافية شهدت معارض فنية عدة، ودورات ولقاءات فنية وبرامج ثقافية مختلفة، كانت متحفًا ومركزًا يستضيف أعمال فنانين فلسطينيين وأجانب بدءًا بالفن التقليدي وانتهاءًا بالفن الحديث وتُعقد فيه الندوات والمحاضرات الثقافية وورش العمل، لذا فحينما علم من فيس بوك بأمر تدمير القرية، وصف رشيد لـ "فيتو" شعوره بما حدث بكلمات بسيطة "الإسرائيليون بيسرقوا ذكرياتنا.. والقرية واحدة من هذه الذكريات".





أما محمد الحواجري، الفنان التشكيلي الفلسطيني الذي يعمل في مجال الفنون المعاصرة وأحد مؤسسي مجموعة التقاء للفن المعاصر في قطاع غزة، فقد كان يسير يوم السبت الماضى مع صديقه الفنان رائد عيسى، بالقرب من مكان قرية الحرف والفنون، حينما سمعا صوت الإنفجارات المدوية مختلطة بأصوات صراخ الأهالي، وتهاوت إلى أسماعهم الأنباء بأن القصف في "مبنى الكتيبة" وهو المكان الذي توجد به قرية الفنون والحرف، التي كانا دائمى التردد عليها.





يحكي محمد لـ "فيتو"عن اللحظة التي سمع فيها محمد صوت الانفجارات فيقول "أصابنا نوع من الخلل الفكري من شدة الإنفجارات والغريب أنا ورائد كنا كل سبت في الفترة من منتصف مايو 2018 وحتى 30 من شهر يونيو الماضى نساعد صديقتنا البلجيكية ميشيل في إقامة لقاءات فنية في القرية مع عدد من الفنانين والمهندسين المعماريين وكانت اللقاءات تبدأ من الساعة الرابعة وحتى السابعة مساء، ومن حسن حظنا إن اللقاءات انتهت من أسبوعين وإلا لكان هناك كارثة كبيرة في غزة ولفقدنا أبرز الفنانين والمعمارين في القطاع ولكن قدر الله وعنايته حالا دون ذلك ".





كانت علاقة محمد الحواجرى مع قرية الفنون قد بدأت منذ أن كان فنانًا شابًا يعمل في إحدى المؤسسات الثقافية في غزة، حينما كان ينظم الزيارات للأطفال إلى القرية باعتبارها مكانًا يحوى بين أروقته وجدرانه بيوتًا للحرف اليدوية، ما بين بيت للسجاد وآخر للنحاس وبيت للزجاج وبيت للتطريز الفلسطيني، وكان في نظره مزارًا للسياحة نظرًا أيضًا لخصوصية البناء الذي بُنى من الطين، وعنها يحكى " كانت مكونة من صالة عرض للفنون والحرف وكان أيضًا بها مقهى".





تطورت علاقة محمد بالقرية حينما كان أحد المشاركين بورشة فنية في القرية مع فنانة سويسرية تُدعى "إليان بتريسون"، وكانت ورشة مثمرة جمعت بين فنانين من أماكن مختلفة من فلسطين وأيضًا من أجيال متباينة، وكان محمد وصديقه رائد من أصغر المشاركين في الورشة، وتطور الأمر فيما بعد إلى أن أصبحت القرية هي بيتهما، وأصبحا مسئولين عن تنظيم المعارض والورش الفنية في القرية، وأيضًا من دائمى الحضور للقرية كأصدقاء لها يجتمعان في لقاءات عدة مع فنانين ومثقفين لمناقشة قضايا الفن في غزة وسبل تطويره.





ليس بيد محمد الحواجرى كغيره من الفنانين الفلسطينيين الذين فقدوا "بيتًا" لهم في غزة أي شىء لإستعادة المبني الذي جمعهم بين جدرانه لسنوات وسنوات على حب الفن، ولكنهم عبروا، أمس الإثنين، عن رفضهم لاعتداء القوات الإسرائيلية على قرية الفنون والحرف بإقامة معرض فنى على أنقاض مبنى القرية احتجاجا واستنكارا لتدمير هذا المكان الثقافي الهام، وكانت هذه الدعوة قد تمت من قبل الفنانين في مجموعة التقاء للفن المعاصر ومركز غزة للثقافة والفنون ومجموعة باليتا للفن التشكيلي والاتحاد العام للمراكز الثقافية بغزة ومجموعة شبابيك للفن بغزة.

وقال محمد عن الوقفة " شارك عدد كبير المثقفين والفنانين الذين عرضوا أعمالهم الفنية في كل مكان في القرية كنوع من الإصرار على مواصلتنا للإنتاج الفني ونحن نؤمن بأن الفن مقاومة".




الجريدة الرسمية