رئيس التحرير
عصام كامل

بعد إضافتها لـ«الطراز المعماري المتميز».. «فيتو» داخل مقابر صلاح جاهين ورفاعة الطهطاوي

فيتو

قبل 10 أيام، نشرت جريدة الوقائع المصرية، بملحق الجريدة الرسمية، قرارا موقعا من الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، بإضافة نحو 193 مقبرة لسجل المنشآت ذات الطراز المعماري المتميز، تضم مقابر بمناطق الشهداء والمجاورين والغفير والبساتين، والمنطقة الغربية لمحافظة القاهرة.


من بين الـ193 مقبرة التي شملها القرار، برز اسم بعض الشخصيات اللامعة ذات الأثر الذي لم يستطع الموت ومواراة أجسادهم تحت الثرى أن يضعهم في قائمة المنسيين!، من بينهم صلاح جاهين ورفاعة الطهطاوي وصالح سليم، بالإضافة إلى بعض أفراد العائلة المالكة المصرية.
على مشارف طريق صلاح سالم، ناحية مستشفى الحسين، كان لقاؤنا الأول بالسيدة الأربعينية "أم شهاب" حارسة مقبرة الشاعر الراحل "صلاح جاهين" بصفة خاصة ومقبرة عائلته "أحمد حلمي" بصفة عامة:"من 30 سنة وأنا هنا بحرس مقبرة صلاح جاهين الله يرحمه، كنت عيلة وأبويا تربي العيلة والمربع كله".

أكثر من 30 مدفن تقع تحت حراسة أم شهاب، التي اتخذت من أحد مدافن عائلة تدعى "شمس الدين" بيتا متواضعا يضم أسرة صغيرة مكونة من أبوين وشاب وفتاة، ولكن ظلت مقبرة صلاح جاهين تحمل أهمية خاصة لدى أم شهاب: "أنا عارفة إنه كان بيكتب أغنيات كتيرة، كل ذكرى سنوية ليه بييجي ناس تبع الصحافة تصور قبره ويحيوها ويروحوا"، أما بقية العام، فالمدفن المزين بالورود والأشجار متوسطة الطول، وما يتبع ذلك من عملية التنظيف ووري الزروع، فمسئوليتها وحدها. 

مدفن عائلة "أحمد حلمي" أو "صلاح جاهين" كما يطلقون عليه في منطقة مقابر الشهداء، يتكون من مقبرتين واحدة للسيدات وأخرى للرجال، وباحة متوسطة المساحة يطوقها سور حديدي قصير.

بعفوية سيدة في مثل حالها، وثقافة محدودة اكتسبتها أم شهاب من طول البقاء لدى مدفن عائلة أحمد حلمي، رأت أن سبب اختيار مقبرة جاهين كأثر معماري، هو تكريم له ولجده الصحفي المناضل الذي حارب الحكم الخديو المصري من خلال سلسلة من المقالات، أودت به في سجن الخديو لسنوات عدة، "أنا مش شايفة إنها تختلف في حاجة عن باقي المقابر اللي بحرسها، لكنه تكريم لهم مش أكتر".


على مقربة من شارع المماليك الممتد على طول طريق مطلع طريق صلاح سالم، وكأحد الشوارع الفرعية لمقابر "المجاورين" التي تحتل الجانب الأكبر من مناطق منشأة ناصر والدويقة ومناطق غرب القاهرة، ينزوي ممر ضيق يصارع حرارة يوليو الحارقة، يجمع بين جنبيه أسرة صغيرة، تعود لحارس مدفن العالم "رفاعة رافع الطهطاوي" وعائلته، فضلا عن سيدة ورجل أتى بهما الحارس الأصلي، ليعاوناه على تنظيف المقبرة وترميمها إذا تطلب الأمر. لم يسمعا بما جال خارج إطار الممر الصغير، من إدراج تلك المقبرة العتيقة إلى قائمة المناطق الأثرية:"إحنا أول مرة نسمع الكلام ده، بقالى 50 سنة بحرس المدفن أساعد حد زائر في كرسي أو كوباية مياه، لكن معنديش فكرة يعني إيه القبر يكون أثري!"، تتحدث السبعينية اليد اليمنى لحارس المدفن، والتي رفضت الإفصاح عن اسمها، يقاطعها محمود المعني بتنظيف محيط المقبرة وما يجاورها من المقابر الأخرى قائلا، "إحنا واخدين بالنا من المقبرة كويس وأي كسر أو هدد بنرممه، أهله بيجوا من فترة للتانية، غير كده المكان محدش بيعبره!، سواء بقيت أثرية ولا حتى هيجيها سياح إحنا هنا بنحرسها وبناخد اللي ربنا يقسمه".

مبنى على الطراز العثماني الأصيل، يطوق الطرف الأيمن لمقابر شارع الشهداء بمصر القديمة، فيبدو كقصر ملكي هجره قاطنوه منذ عشرات السنين، فأُفرغ من كافة محتوياته، عدا البوابة الخشبية العملاقة، ورجل وزوجته تحيطهما بعض الدجاجات والقليل من الكلاب الرابضة عند أطراف "الحوش"، "أنا وجوزي هنا من أكتر من 30 سنة، عينته الأوقاف حارس لمدفن الأميرة شيوه كار، وعايشين في حجرة تابعة ليه مع ابني وبنتي"، تنكب "أم محمد" زوجة عم صادق حارس مقبرة الأميرة "شيوه كار" زوجة الملك فؤاد الأول وحفيدة إبراهيم باشا نجل محمد على، والتي أدرجت مقبرتها ضمن المناطقة الأثرية، على آنية ألومونيوم تطهو طعام الغداء، بينما عيناها مثبتة عند مدخل المدفن:"الرجل من يوم ما حرامية طلعوا علينا من سنتين والمقبرة كانت هتتسرق، جت له جلطة وفقد عقله، مبقاش له حول ولا قوة، طلع معاش ولأن ملناش مكان تاني الحكومة تركتنا هنا".

لم تترك محاولة السرقة التي تعرض لها القصر قبل أن يتم ضمه الى سجل المباني ذات الطراز المعماري المتميز، أثرها في نفس عم صادق، الذي يطلق عليه بعض أبناء المنطقة "القاموس" نظرا لمعرفته الواسعة بشئون العائلة المالكة ومقابرها، بعد أن تسببت الحادثة بالرغم من نجاحه في إفشالها، في إصابته بالمرض وتقاعده وعدم قدرته على الاعتناء بالمقبرة كما كان من قبل: "مفيش عندنا أي معلومات عن إن المدفن بقى أثري، هو ده أحسن له يمكن يتمنع من السرقة، إحنا عملنا اللي علينا وجبنا كلاب سرحناها حول المقبرة علشان متتكررش تاني"، كادت عملية السرقة أن تودي بحياة الزوجة ضعيفة السمع وزوجها الذي ما زال يحمل آثار الجلطة حتى اللحظة الحالية، "الحرامية كانوا هيذبحونا لولا ستر ربنا، أحسن إنهم هيخلوها تبع الآثار!".
الجريدة الرسمية