رئيس التحرير
عصام كامل

تمرد



لا يكف شباب الثورة عن إبهارنا وإبهار العالم بأفكاره السلمية، لقد حقق هذا الشباب ثورة يناير منذ الدعوة إليها إلى الاحتشاد فى الميادين بالدعوة السلمية، واستشهد منه من استشهد.. مئات، وأصيب منه من أصيب.. آلاف، وظل شباب الثورة على سلميته. 
ومع الوقت والشباب يرى أن الثورة تسرق، ليس منه، ولكن من الوطن كله، كان من الطبيعى أن يظهر بينه أعداد قليلة ترى أن السلم لم يعد يجدى، ولقد حذرت وحذر غيرى كثيرًا فيما كتبت وأكتب، أن اليأس قد يولد الانفجار، وأن قشرة السلم القوية سترق وتضعف إلى أن تنتهى،  لكن على الناحية الأخرى، كان النظام الحاكم يرى أن العنف هو الوسيلة الوحيدة له للقضاء على الثورة والثوار، عشنا نسمع كلامًا تافهًا عن الطرف الثالث الذى يظهر ويقتل فى المتظاهرين، ثم يظهر ويحول التظاهر إلى مولوتوف، ورأينا جميعا كيف كان الإجرام فى التعامل مع التظاهر السلمى أيام المجلس العسكرى السابق، ظهر ذلك جليّا فى أحداث ماسبيرو ومحمد محمود، وأيام النظام الحالى ظهر ذلك جليّا فى أحداث الاتحادية والمقطم، وقبلهما محمد محمود فى ذكراها، ورغم أن كل الصور تظهر المجرمين إلا أن أحدًا منهم لم يحاكَم كما يحاكَم الآن شباب الثورة ونشطاؤها. 
ووسط هذا الهم الكبير تظهر حركة من الشباب أيضًا رافعة راية السلم فى وقت العنف فيه صار طريقة ثابتة للنظام، حركة تسمى نفسها "تمرد"، تطبع ورقة تطلب من المواطن التوقيع على سحب الثقة من رئيس الجمهورية محمد مرسى الذى مضى عام كامل على توليه الحكم ولم يحققق شيئًا من أهداف الثورة، لا اقتصاديّا ولا اجتماعيّا ولا سياسيّا، اقتصاديّا تحولت مصر إلى دولة متسولة، واجتماعيّا لا يرى النظام شعبًا غير أهله وعشيرته، وسياسيّا هدف النظام الأكبر الآن هو القضاء على من أشعلوا الثورة ومن عارضوا مبارك من قبل، هدفه أن تذهب الثورة إلى غياهب التاريخ، ولا يذكرها أحد إلا باللعنة باعتبارها سبب الفقر والقهر، رغم أن الثورة لم تحكم مصر حتى الآن، والذى يحكمها هم من سرقوها، ومن قوانين العقوبات القديمة ظهرت ثلة اتهامات كلها إنشائية يتم بها القبض على النشطاء، تشجيع التظاهر ونشر الإشاعات وإهانة الرئيس وإهانة الداخلية وإهانة النيابة والقضاء، وتكدير السلم العام، والدعوة لقلب نظام الحكم، وأخيرًا والمضحك جدّا إهانة الاشتراكية!!هذه الجملة التى لم يستخدمها عبد الناصر صاحب الاشتراكية التى تم تشويهها وتفكيك كل منجزاتها الصناعية وبيعها فى العهد السابق وشراؤها الآن ممن اشتروها من قبل لتكون ملكًا لرجال العهد الحالى تحت الضغط. 
يساعد النظام وزير داخلية مستعد أن يترك رجاله يرسلون المركبات وعشرات الجنود للقبض على طفل فى الخامسة عشرة باعتباره ارتكب كل ما سبق من جرائم، وزير داخلية ترك الشوارع بلا نظام، واللصوص ترتع فى البلاد إلى درجة أنهم يسرقون الآن سيارات مساعديه وضباطه بالإكراه، متصورًا أنه يعيد حق الثورة من الثوار، من يهين الشرطة الآن بالله عليكم، الثوار أم اللصوص الذين تجرأوا عليها بعد أن تركتهم يرتعون، الثوار لم يريدوا أبدًا الانتقاص من الشرطة، لكن وضعها فى مكانها الصحيح، شرطة لخدمة الشعب لا الحاكم، شرطة بعيدة عن السياسة، شرطة تحترم حقوق الإنسان، وفى هذا كله أكبر فائدة للشرطة نفسها، وقيمة لرجالها الذين بينهم بلا شك من يريد ذلك أيضًا، لكن الكبار يسدون عليه الطريق. 
فى وسط هذا كله تظهر حركة ترفع أقصى رايات السلم وتعيد لنا تراث الشعب المصرى فى ثورة 1919 حين كانت التوقيعات لتأييد الوفد الذى سيطالب الاستقلال أمام الإنجليز، وقبل ثورة يناير حين بدأت الجمعية الوطنية للتغيير جمع التوقيعات التى تدعو لتغيير النظام، يظهر هؤلاء الشباب ليعلنوا للعالم أن قوة السلم لن تنتهى ولن تضعف، وفى الوقت الذى سيصلون فيه إلى خمسة عشر مليون توقيع برحيل الرئيس المنتخب ستعرف الدنيا كلها أن من يريدون رحيله أكثر ممن انتخبوه الذين كان بينهم على الأقل ثمانية ملايين من عاصرى الليمون يتأسفون اليوم، سيستهين النظام بهذا أيضًا، ويظل فى غيّه معتمدًا على أمريكا التى تؤيده وإسرائيل التى أمّنها، وستكون النتيجة أنه سيدفع الناس إلى عنف أكثر، فهل يفهم أم يظل مصرًّا على حرق البلاد .
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com
نقلا عن جريدة فيتو الأسبوعية. 

الجريدة الرسمية