الخوف من التغيير
المجتمعات القديمة الضاربة في التاريخ مثل المجتمع المصري اعتادت على رتم حياة وعادات وسلوك معين، هذا السلوك اكتسبته من طبيعة الجغرافيا الثابتة المستقرة والنشاط الزراعي على ضفاف نهر النيل، واستقر في عقيدتها أن الاستقرار أفضل من التجوال، وأن التقليد أكثر فائدة من التجريب وأن الواقع أفضل دائما من المجهول.
هذا السلوك خلق مشكلات اجتماعية أصبحت عصية على الحل، فالوادي الضيق الذي عاش عليه المصريون آلاف السنين لم يعد قادرا على استيعاب الملايين المتزايدة من أحفادهم، ومياه النيل التي كانت تغمر الوادي والدلتا أصبحت غير كافية، وطرق الري والزراعة والإسكان والتعليم ونمط الحياة البطيئة الهادئة لم تعد قادرة على الاستجابة لتطلعات الأجيال الجديدة.
الأجيال الجديدة التي تتواصل مع العالم الحديث وتري الجديد من خلال تكنولوجيا الاتصالات، والتعليم الحديث الذي تدخلت فيه تكنولوجيا المعلومات بصورة غير مسبوقة، وحرية التفكير وشبكات التواصل الاجتماعي، والعولمة التي يعيشها الشباب لم تعد قادرة على التعايش مع التفكير التقليدي القديم.
الخروج إلى الصحراء وإنشاء مدن ومجتمعات عمرانية جديدة، تطوير طرق الزراعة ومحطات تحلية مياه البحر، استغلال طاقة الرياح والطاقة الشمسية، تطوير واعادة هيكلة القطاع الإداري البيروقراطي العتيق، استخدام الكمبيوتر وتكنولوجيا التواصل وتطوير نمط الحياة والتعليم والصحَّة أصبح ضرورة ملحة لملاحقة العصر وإلا فسوف نرتكب خطيئة كبري في حق الأجيال القادمة.
وعندما يأتي وزير التعليم والتعليم الفني بتفكير خارج على نطاق التفكير التقليدي وعصر الكتاتيب والحفظ والتلقين والامتحانات التي ينجح فيها الطلاب ب٩٩٪، ويفكر في إدخال طرق التعليم والتعلم النشط وطرق التقويم الإلكترونية الحديثة، تري الجيل غير القادر على استخدام لغة العصر والمستفيد من كل قديم، يقف له بالمرصاد، ويتهمه بإفساد منظومة يعلم الجميع أنها فاسدة من عشرات السنين وأن أي جديد لن يكون أسوأ من الحالي.
وعندما تأتي وزيرة للصحة لأول مرة من داخل وزارة الصحة، عايشت مشاكلها ومشكلات الصحة المصرية التي لا تنتهي على مدى عقود، ترى رد فعل سلبي غير مبرر وغير مقبول من بعض المصريين. وزراء الصحة في معظم دول العالم ليسوا أطباء وفي الغالب هم إداريون أو ساسة ينفذون سياسة الدولة ولا يجتهدون بأفكارهم الشخصية ليأتي وزير آخر ليهدم ما تم تنفيذه.
خلاصة القول إن العصر قد تغير وإن معطياته القديمة قد تغيرت ويجب أن نتقبل الجديد بصدر رحب، وأن نتعايش معه، وأن نجرب ونخطئ ونستفيد من أخطائنا.