الانتماء والسلام الوطني ووزيرة الصحة!
أثار قرار وزيرة الصحة بإذاعة السلام الوطني في المستشفيات كل صباح موجة من الجدل وصلت إلى حالة من السخرية والاستهزاء على وسائل الميديا، وفتح القرار بابا واسعا للحديث حول: كيف يفكر المسئولون في بلدنا خصوصا من يرتبط عملهم بالمواطن بشكل مباشر، ومن ترتبط تصريحاتهم بالرأي العام وتؤثر فيه؟
الوزيرة قررت إذاعة السلام الوطني، ورأت أن ذلك يعزز الانتماء للوطن، ويشيع حالة من الوطنية وحب البلد في نفوس من بالمستشفيات من العاملين والمرضى، وبعد ذلك قالت الوزيرة في تصريح آخر (داووا مرضاكم بالصدقة)، وهو حديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا غبار عليها في ذلك إذا كانت تقصد المعنى الحقيقي من الحديث، وهو أننا نتصدق ليعفو الله عن مرضانا ويشفيهم، وليس لجمع الصدقات لعلاج المرضى بها فذلك من مسئولية الدولة!
لكن دعونا نناقش الأمر في هدوء وبكثير من الجدية:
* هل إذاعة السلام الوطني في المستشفيات يعزز الانتماء لدى المواطن.. أم أن تعزيز الانتماء يأتي عندما يشعر المريض أنه يأخذ حقه كاملا في العلاج والرعاية بلا تسول، وأنه تتم معاملته معاملة إنسانية مهما كان مستواه المادي أو الاجتماعي، وأن وجوده بالمستشفى ضرورة لعلاجه وأن الهدوء والسكون بعيدا عن صخب وضجر الحياة خارج المستشفى هو راحة للمريض وخطوة على طريق العلاج، وأن الأطباء والعاملون يحصلون على حقوقهم أيضا؟
*مسئولية وزيرة الصحة هي صحة المصريين، وتوفير احتياجات المرضى الذين يهاجمهم كابوس الموت بين لحظة وأخرى، ومتابعة أحوال المستشفيات التي يعشش فيها الإهمال بكل أشكاله، وهي الطبطبة على المرضى المترددين على العيادات الخارجية والاستقبال والطوارئ بوضع نظام صارم يحترم آدميتهم.
* وزيرة الصحة ليس من اختصاصها تعزيز الانتماء ولا الفتوى بحديث لرسول الله لأن ذلك من اختصاص آخرين!
* الوزيرة شغلت نفسها بما هو ليس من اختصاصها أو يقع في دائرة مسئوليتها، وكان الأجدر بها أن تتريث قليلا ونأخذ قسطا من الوقت تتدارس في مع المختصين والمستشارين مشكلات الصحة وترتيب الأولويات والبحث عن حلول لعذابات المرضى في مستشفيات وزارتها، وكيف تراقب أسعار الدواء التي ترتفع بلا ضابط أو رابط، وكيف تجد حلا لتوفير الأدوية الناقصة التي يزداد عددها كل يوم!
* جاءت تداعيات القرار أسوأ من القرار ذاته، حيث تحول الأمر إلى السخرية والنيل من السلام الوطني ومن علم مصر وانتشرت على السوشيال ميديا فيديوهات تصور طواقم عمل في مستشفيات يرقصون ويغنون بابتذال على أنغام السلام الوطني، وتصور مرضي يتمايلون وفي أيديهم زجاجات المحاليل الطبية المعلقة فيهم وسط حالة من الفوضى والهرج الشديد الذي يتنافى مع بروتوكولات المستشفيات، ومهما كانت هذه الفيديوهات حقيقية أو مفبركة فقد انتشرت كما تنتشر النار في الهشيم وتحول السلام الوطني وعلم البلاد ومعهما قضية الانتماء إلى مجال للسخرية والاستهزاء ومادة خصبة للنكات والإسقاط على كل إنجاز حدث خلال هذه المرحلة بأسلوب مُسف.
* قرار الوزيرة – سواء كان عن فهم أو قلة خبرة سياسية– وغيره من قرارات وتصريحات غريبة تصدر عن مسئولين في هذا الوطن يطرح أسئلة تظل بلا أجوبة رغم كل هذه السقطات المتتالية أهمها:
- هل معايير اختيار المسئول –أيا كان– لها علاقة برؤيته وفهمه أو إستراتيجيته في العمل الذي يتولى مسئوليته؟
- إذا كانت هناك بالفعل معايير أو مواصفات قياسية لاختيار المسئول (الوزير مثلا) فهل تنطبق على الجميع رغم اختلاف طبيعة عمل الوزارات؟
- ما المعيار الحاكم أو القاسم المشترك الأعظم عند الاختيار.. هل هو الكفاءة.. النزاهة.. الشفافية.. المؤهلات العلمية.. الخبرة السياسية.. الوضع الاجتماعي.. تطابق التخصص مع اختصاص الوظيفة أو المهمة؟
* أظن –وليس كل الظن إثم– أننا سنظل طويلا في هذه المنطقة الرمادية التي بلا أجوبة، وسنظل نعاني اكتشاف فساد مسئول، وورطة يضعنا فيها مسئول بتصريحات متسرعة وقرارات غير مدروسة، وفشل مسئول وعجزه عن أداء مهمته!
إلى أن نضع معايير الاختيار الجامعة المانعة، وإلى أن نتقن عملنا.. سنظل نقول –بلا خجل– هذه بضاعتنا ردت إلينا.. فلا عجب ولا اندهاش!