«الشعراوى» مروجا لرفع الدعم !
رغم مرور ما يقارب الأربعين عاما على هذا الحديث للشيخ الشعراوى، رحمه الله، إلا أن ذهن بعض تجار الفضائيات من رجال الأعمال قد وجد فيه ضالته، الحديث عبارة عن اقتباس مشوه ومجتزأ للداعية الأشهر في تاريخ مصر عن وجوب رفع الدعم حتى عن الخبز حتى يعمل كل المواطنون ويشعرون بقيمة السلعة والعناء من أجلها!
إذا استمعت لهذا الحديث أو الخاطرة التي تذيعها إحدى القنوات الفضائية مرارا وتكرارا كفاصل شبه إعلانى مموج رخيص هدفه إرضاء الدولة، والأهم إيصال رسالة للناس أن الدعم (حرام) والعياذ بالله، بدليل رفض الشعراوى له وهو من هو عند عامة الناس، ستجد نفسك مضطرا لمراجعة حساباتك مع الدعاة أو أكثرهم، ولكن قبل ذلك ستجد أن الحق يتم التلاعب به، وإلباسه ثوب الباطل، وستجد من يتاجرون بالمرحوم الشيخ الشعراوى، هم أول من يسيئون إليه عن عمد وخُبث.. كيف ذلك؟
أولا قبل الحديث عن خاطرة الرجل المستدعاة حديثا عن وجوب رفع الدعم، يجب التنبيه أولا إلى أن الشعراوى كداعية وفقيه ومفسر للقرآن الكريم، ليس بنبى أو رسول، إنما هو بشر مثلنا يخطأ ويصيب، وأنه لا قداسة لأحد في الإسلام ولا كهنوت، وكما قال الإمام مالك، إمام أهل السنة والمحدث العظيم، فإن كل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه إلا الرسول الكريم صاحب المقام الشريف عليه أفضل الصلاة والسلام..
ولكن رغم كل ذلك فالشعراوى قد تم ظلمه من قبل من يروجون لكلمته تلك عن الدعم، ذلك لأن الرجل تحدث في خاطرة لمدة أربع دقائق ونصف وتم اجتزاءها لأقل من دقيقتين فيهما الرسالة المراد من البعض ايصالها ملتبسة وبعيدة عن سياقها التاريخى!
تحدث الشيخ، رحمه الله، عن فترة سيدنا يوسف والسنوات السبع العجاف، وتصرف يوسف القوى مع القادة والأمراء من حكام مصر، وأخذ أموالهم جميعها مقابل الغذاء، ومعاملة الفقراء كذلك، حتى إن من لم يملك مالا كان يعمل مقابل غذائه أو يرسل ابنه كرقيق عامل من أجل الطعام.. طبعا كل هذا لم يتم إذاعته نهائيا، فيوسف عليه السلام، إن صحت الواقعة بتفاصيلها، أرسى أولا دعائم المساواة التامة بين جميع سكان مصر كبيرهم وصغيرهم، سيدهم وعبدهم، ثم قام بتوزيع الطعام عليهم، وأعتقد أن هذا ما قصده الشعراوى في خاطرته، والتي تبعها بأهمية رفع الدعم عن السلع حتى يعمل الجميع، ويأخذ كل ذي حق حقه بالعمل وليس بالتواكل أو بالتمييز وبالتفضيل المجحف والعبثى في الرواتب والثروة والنفوذ بين البشر!
هل يجرؤ من اجتزأ حديث الإمام الراحل على نشره كله وبما فيه من تفاصيل، هل يجرؤ على إرسال الرسالة كاملة، والأهم من ذلك، هل يستطيع نشر كشف حساب بملياراته التي تغنيه عن كل دعم، بل تلزمه هو وأمثاله بدفع دعم للدولة، وللمواطن الذين تم استنزافهما لصاالح استثماراته على أرضه، التي نالها في عهد مبارك بتراب الفلوس كما يقولون!
يبقى شيئان على قدر عظيم من الأهمية، أولهما أن الشعراوى كان يتحدث عن ظرف تاريخى موغل بالقدم، ربطه بواقعة رفع الدعم في نهاية عصر السادات، والحديث عن الرغيف الطباقى المحسن (الحر) أبو قرشين في بداية العقد الثامن من القرن الماضى!.. ورغم تأثر الشيخ بصديقه الرئيس (المؤمن) السادات إلا أن الرجل يعبر عن وجهة نظره كأى إنسان ولكن.. هنا يتلصص المدلسون للتجارة بالدين في هيئة الرجل..
والدين لا يعرف بالرجال إنما الرجال هم الذين يتشرفون بالدين ويسيرون على منهجهه.. ثانيا وهو الأهم على الإطلاق، لماذا يؤمن البعض ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه، ولماذا يؤمنون ببعض ما قاله الرجل مادام يصب في مصلحهم، ويتغافلون عن بقية أحاديثه التي لا يطيقونها ولكنهم فقط يتاجرون بالدين أو حتى بمن ينتسب للدين كداعية.. وهكذا يبقى التدليس سمة العصر.. رحمنا الله
fotuheng@gmail.com