درس في الصحافة عنوانه «عمي عيد»
في خضم المعارك الصحفية، وتسارع وتيرة العمل في بلاط صاحبة الجلالة يبزغ نجم أقلام وضيئة.. ربط أصحابها بين الكتابة ومفهوم «الحلال» كما ينبغي أن يكون.. وفي مهنتنا هذه تجد في كل جريدة كبارها سنا ووقارا وقد اعتاد الصحفيون الشباب نداءهم بـ«عم فلان».. من باب العرفان بفضلهم وتاريخهم المهني وأملا في النهم من خبراتهم المهنية والحياتية.
واحد من هؤلاء كان الزميل الراحل الأستاذ "عيد حسن".. كان الرجل إذا صمت فكر وإذا تكلم أفهم وإذا سخر أوصل لمحدثه رسالة.. لم يكن عمي "عيد" مجرد صحفي عادي.. إذ ترك رحيله في «فيتو»، أثرا ربما يصعب على الأيام محوه.. المتتبع لأرشيف الرجل سواء في الإصدار الورقي أو البوابة الإلكترونية للجريدة ربما يلحظ بعين الخبرة ما لا يلحظه القارئ العادي.. فالفارق بين الإنتاج الصحفي لعمي "عيد" وبين أي إنتاج صحفي آخر أن الرجل يقدم في كل خبر يكتبه معلومة جديدة.. وقد تولى الكتابة عن ملف التموين فهضمه واستوعبه.. ومعروف أنه ملف خدمي يبحث القارئ عنه لأنه متصل بحياته اليومية.
حينما كان يكتب عمي "عيد": «أكد مصدر مسئول» فتلك الجملة في قاموسه معناها أنه تحدث إلى مصدر أو تحدث مصدر إليه.
"مصدر" فعلا ذو ثقل.. ظل الرجل يعمل لآخر لحظة في عمره كسب احترام كافة وزراء التموين المتعاقبين.
أذكر أنني التقيته مرة في نقابة الصحفيين وقد بدا منشغلا في اتصال يواسي الطرف الآخر للمكالمة، فإذ بالطرف الآخر أحد الوزراء الذين تم استبعادهم من التشكيل الوزاري رغم أنه كان يمتلك خطة لحل أزمات التموين.. الغريب في في الاتصال أن المتصل لم يطلب من عمي "عيد" أن يتكتم على المكالمة أو تعهدا بعدم النشر.. لأنه كان يعلم معيار الأمانة في شخصيته جيدا.
رحل عمي "عيد" وقد ترك أرشفيا يُدرَّس في عالم الصحافة.. رحل بابتسامته الهادئة وتواضعه الجم وأدبه الرفيع.. لم يسمع منه أحد كلمة جارحة أو لفظ صعب.. لأن الرجل كان يُخضع كلامه كما يُخضع كتاباته لعملية صياغة راقية.. أذكر أنه سئل يوما عن الجريدة التي يعمل بها فرفض الإفصاح عن معلومة بشأنها.. ليعطي معنى آخر في مفهوم الأسرة الصحفية.