الفارق الشاسع بين الواقع والمرجو!
في تصريحات إذاعية مطولة للسفير الخلوق "بسام راضى" المتحدث باسم رئاسة الجمهورية بمناسبة الاحتفال بذكرى ثورة "30 يونيو"، استوقفتنى بشدة إحدى العبارات التي جاءت على لسانه في إطار تنويهه عن الاستعداد لافتتاح عدد من المشروعات القومية والتنموية في مختلف أنحاء مصر خلال الفترة القادمة، حيث قال: إن مصر ماضية في بناء دولة حديثة وفقًا لأعلى المعايير العالمية.
ومع كل التقدير والاحترام للرؤية المرجوة للسيد السفير راضى، والتي يسعدنا بالتأكيد أن تتحقق (ولو جزئيا) في المستقبل القريب، إلا أن الموضوعية والأمانة تقتضى منا أن نشير إلى أن تحقيق "المعايير العالمية" في بناء الدولة الحديثة التي ننشدها جميعًا لا يمكن أن تتحقق أبدًا إذا استمر أسلوب اختيارنا للمسئولين يسير على نفس النهج الذي نتبعه في الوقت الراهن، والذي ما زلنا نعتمد فيه للأسف على نفس الآليات التي ثبت لنا فشلها التام على مدى سنوات طوال، والتي هي بالتأكيد بعيدة كل البعد عن تطبيق المنهج العلمى السليم المبني على المعايير العادلة للاختيار، والتي يطبقها معظم العالم المتقدم الذي نرجو أن نكون جزءا أصيلا منه.
ونظرة تحليلية بسيطة على أداء المسئولين في المناصب الحيوية في العديد من الوزارات، والمحافظات، والأجهزة، والمؤسسات، والهيئات التي تتطلب سمات شخصية تقترب من حد الكمال، وإبداعًا فكريًا مطلقًا تدلنا بمنتهى الوضوح واليسر على السبب الرئيس في عدم قدرة الدولة على تحقيق أي قدر من التقدم "حتى الآن" في العديد من الملفات (التي نعلمها جميعًا وكتبنا عنها مرارًا وتكرارًا).
إن الاهتمام بتطبيق المعايير العادلة في اختيار المسئولين في جميع المجالات، والبعد عن العواطف، والمجاملات في هذا الشأن شديد الأهمية_ هو عين الصواب الذي يساعد الدولة على تحقيق جميع أهدافها المرجوة في أقصر فترة زمنية ممكنة، وهو البديل الوحيد القادر على تضييق مساحة الفارق الشاسع ما بين "الواقع والمرجو"، وما عدا ذلك نعلم جميعًا نتائجه المسبقة، والتي ما زلنا نعاني العديد من شواهدها في معظم الملفات.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فإننى أرجو من الدولة أيضًا النظر في دراسة إلغاء بعض المناصب "التكريمية" التي تم استحداثها في السنوات الأخيرة، ولا يوجد أي طائل من ورائها سوى زيادة أعباء الدولة، خاصة وأنها ليست لها أي نظير في دول العالم المتقدم.
ولا أجد في الختام أبلغ من مقولة الكاتب الساخر الرائع جلال عامر "رحمه الله" تعليقًا على ما وصلنا إليه من أحوال:
"ناس عايشة كويس.. وناس كويس إنها عايشة" حفظ الله الوطن من كل مكروه وسوء.