الأغلبية تحصد ما زرعته
تحدث أستاذ جامعى المانى عن تجربته تحت حكم النازى قائلا، عندما بدأ هتلر فى قتل اليهود لم احتج فلست يهوديا، وعندما بدأ فى التخلص من المعارضة لم أحفل فلست معارضا، وعندما بدأ فى اعتقال الشيوعيين لم اعترض فلست شيوعيا، وعندما جاء الدور وقبض عليّ لم أجد أحدا يدافع عنى.
وهكذا من يقبل الظلم على غيره سيصل إليه هذا الظلم يوما ما، ومن يدعم ديكتاتورا مستبدا للمنفعة الشخصية سينقلب هذا الديكتاتور إن لم يكن عليه فعلى أولاده، وهكذا وصل المجتمع الإنساني الراشد إلى قناعة تامة بأن مصلحة المجتمع الإنسانى تكمن فى الدفاع عن الحريات للجميع والحقوق للجميع والمساواة للجميع وعدالة القانون وسيادته على الجميع والديموقراطية للجميع.
يصرخ المجتمع المصرى الآن من التمييز الواقع على الأغلبية المسلمة من الأقلية الإخوانية، حيث يتحكم أقل من 1% من السكان فى معظم المناصب القيادية فى مصر بعد أقل من سنة من سيطرتهم على رأس الدولة والبرلمان، ولكن نسى هؤلاء أنهم ارتضوا التمييز الممنهج ضد الأقلية القبطية فى مصر منذ عقود طويلة، بل وفلسفوا هذا التمييز وبرروه مرة بزعم أن الأقباط اختاروا البيزنس بديلا عن السياسة ومرة بزعم تقصير الأقباط فى التقدم للوظائف وما شابه ذلك من مبررات واهية.
قبلت الأغلبية على نفسها وعلى ضميرها قوانين ظالمة وتمييزية وأحكام قضائية ظالمة ضد الأقلية، ودارت الدائرة على الأغلبية وحصدت ما زرعته يداها فى قوانين عوراء مصنوعة خصيصا لتمكين الأقلية الإخوانية من مفاصل الدولة ونائب عام ملاكى يراعى مصلحة الجماعة لا العدالة.
لم تفعل الأغلبية شيئا فى مواجهة الاضطهاد والعنف المخطط والممنهج والمستمر الواقع على الأقباط منذ عقود، وهى الآن تواجه عنف هذه الجماعات الدينية التكفيرية وفصائل الإسلام السياسى المختلفة.عندما يقبل ضمير الأغلبية على المواطن المصرى البهائى أن يعيش بدون بطاقة للرقم القومى ولا هوية يستطيع أن يتحرك بها ويعمل ويتزوج، أى موت مدنى كامل لأنه بهائى، فسيأتى حتما وقت وستموت مصر المدنية كلها نتيجة لهذا التردى الأخلاقى.
لم يرتفع صوت الأغلبية عندما أعدمت حكومة مبارك أكثر من مائة ألف خنزير بطريقة وحشية بالجير الحى بحجة واهية وهى الخوف من انفلونزا الخنازير، ولم يتحرك ضميرها أمام هذا العمل البربرى الإجرامى، وكانت النتيجة استوطان انفلونزا الطيور فى مصر وليس الخنازير، وارتفاع أسعار اللحوم إلى عنان السماء نتيجة غياب البديل الحيوانى الذى كانت تقبل عليه الأقلية مما حرم ملايين الأسر المصرية من تناول اللحوم، وفقدان مئات من الأسر الفقيرة لمورد رزقها. منذ أيام كنت أتناول عشاء شرائح المرتديلا مع أسرتى وحماى فى أمريكا، فقال لى حماى أن ما حدث للخنازير جعل أهم محل ومصنع لهذه المنتجات فى الإسكندرية يغلق أبوابه، وهو محل موناكو، ورحل صاحبه اليونانى إلى خارج مصر بعد أكثر من مائة عام من العمل فى هذه الصناعة، واختفت هذه المنتجات من الأسكندرية تماما ولم نعد نأكلها الآن.
لقد قبل المصريون تزييف عبدالناصر لتاريخ الوفد والملكية، وها هى جماعة دينية صغيرة تعتزم تزييف التاريخ كله حتى الفراعنة من أجل إعلاء شأن الدولة الدينية وبضعة أفراد متطرفين منها.
إن معنى وقيمة الحرية هو أن تطلبها لغيرك أولا، ومعنى العدالة هو أن تدافع عن هؤلاء الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، والرقى الإنسانى يتمثل فى الدفاع عن وحماية الكائنات الضعيفة سواء كانت إنسانا أو حيوان.
لقد كتبت سيدة سعودية ليتنى كنت بقرة سويسرية أو كلب أمريكى، هذه السيدة التى تشتكى من وضع أسوأ من وضع الحيوانات فى الغرب هى تعيش فى ظل مجتمع من العبيد، فالرجل الذى يترك زوجته تعانى هذه المعانأة تحت حكم دينى منغلق ومستبد هو فى الواقع يعيش نفس العبودية الدينية والسياسية.
إن ما يحدث فى مصر حاليا هو تطور طبيعى لسقوط أخلاقى مريع قبل أن يكون سقوطا سياسيا، وهو تطور طبيعى لتسارع الظلم والكره والعنف والعدوانية وكراهية الآخر وكراهية الذات. لقد وصل اليأس بأكاديمى مصرى ألمانى وهو حامد عبدالصمد بقوله " هل الدكتاتورية هى التى تعوق بيننا وبين حلم الحرية والرخاء؟ أم أنها طبقة كثيفة من الطين هى التى تغلف عقولنا ووجداننا فتحول بيننا وبين رؤية الحقيقة؟....
حراس الأخلاق فى بلادنا يزدادون يوما بعد يوم فى حين تختفى الأخلاق الحقيقية من تعاملاتنا مع بعضنا. التدين الظاهرى ينمو كالسرطان فى حين تنحسر روح الدين ومبادئه....أما من يسمون أنفسهم بالمصلحين فيذكروننى بعازفى الموسيقى على متن تايتانيك الذين واصلوا العزف حتى غاصت السفينة فى البحر، كانوا يعزفون ويعزفون رغم إدراكهم أن أحدا لا ينصت إليهم على الإطلاق".
عندما تفيق عقولنا وضمائرنا وتتطهر قلوبنا وأرواحنا ونطلب الحرية والمسأواة والعدل للجميع، وقتها فقط نكون قد تحركنا فى الطريق الصحيح، أما ما نحن فيه فيقول أن تايتانيك فى طريقها للغرق فى الوقت الذى يعيش الكثيرون وهما خادعا بأنها فترة قصيرة وكابوس اقترب من نهايته.