رئيس التحرير
عصام كامل

الباحث منير أديب: كُنى الإرهاب القديمة تغيرت من أبو عمر المصري لـ «كريستيانو وجلجل»

فيتو


◘ المؤسسة الدينية ليس لديها مشروع واضح حتى الآن لتفكيك «مقولات التطرف»
◘ «العنف» حالة تعيشها التنظيمات المتطرفة تبدأ بالعنف اللفظي مرورا بالسلوك نهاية بمرحلة التأصيل الشرعى

◘ الإخوان هي أساس العنف وأهم مرجعياته ومنها خرجت جميع حركات وتنظيمات التطرف
◘ أردوغان يمثل التنظيمات الدينية في العالم العربي والإسلامي ومارس ضغوطا شديدة على مصر لاحتضان الإخوان
◘ الإخوان مصابون بمرض «اضطراب الشخصية الاضطهادية» وبسببه لا يثقون في الناس



في مواجهة الإرهاب والتطرف، لن تعلو كفة الدولة المصرية إلا بتفكيك أدبيات العنف؛ بداية الطريق دائما في تعرية الأخطاء والتدليس الذي طال الكثير من تعاليم الإسلام، بما يستوجب ضرورة التأصيل المعرفي وضبط القواعد الدينية في سياق علمي صحيح، وهو الطريق المضمون لمكافحة الإرهاب واقتلاعه من جذوره، بعد وضع التصورات والسياسات التي تكفل مواجهته، بما يؤدي في النهاية إلى وقف نزيف التحول نحو التطرف، كان ذلك مضمون حديث «فيتو» مع منير أديب، الباحث والخبير في شئون الحركات الإسلامية واﻹرهاب الدولي، الذي سألناه:


◘ تتحدث دائما عن ضرورة تفكيك مقولات العنف.. لماذا؟
لأننا لن ننجح في مواجهة الإرهاب، طالما فشلنا في تفكيك مقولاته القديمة والحديثة. 

◘ هل الأمر خطير إلى هذه الدرجة؟
بالتأكيد، خطورة الإرهاب لايمكن حصرها في نوعية الأسلحة التي بحوزته، ولكن في نوعية أفكاره التي يعتنقها، خصوصا أن هذه المقولات هي التي تُعطي قبلة الحياة لهذه التنظيمات المتطرفة، بما يعني أن قدرتنا على المواجهة يحددها فهمنا الجيد لمنهج أفكار ولغة هذه الحركات.

◘ كيف تقيم دور الدولة في مواجهة الإرهاب حتى الآن؟
الدولة تقوم بجهد كبير على المستوى الأمني، وتبذل تضحيات تُقدر عند الجميع، ولكن يجب القول أيضا إن مواجهة الإرهاب لا ينبغي اقتصارها على المقاربة الأمنية والعسكرية فقط دون المواجهة الفكرية بمفهومها الشامل

◘ أليس هذا دور المؤسسة الدينية الرسمية؟
الدولة هي التي تخطط وتوجه، أما المؤسسة الدينية حتى الآن، ليس لديها مشروع واضح لتفكيك مقولات التطرف، وفق خطة ممنهجة على المستوى الفكري والفقهي معًا، وهذه الأدوار المفتقدة مسئولة عن توليد أجيال من المتطرفين، لن تفيد معها الآلة العسكرية، طالما أصل الداء ما زال موجودًا في الأفكار وما زال القصور في تفكيكها العنوان الرئيسي في تحديات المواجهة المفتقدة

◘ هل يعني هذا أن الدولة تنجح في مواجهة التنظيمات الإرهابية والتكفيرية والأجنحة والخلايا العسكرية بشكل أفضل من مواجهة الجماعات الدينية فكريًا؟
نعم.. الدولة المصرية نجحت بالفعل، في التعامل مع التنظيمات المسلحة، والأجنحة العسكرية على شاكلة حسم ولواء الثورة، بينما كان هناك فشلا واضحًا في التعامل مع الجماعات التي حملت جين التكفير ونواة فكر العنف، خصوصا أن هذه التنظيمات كانت الأذكى في التعامل.

◘ كيف؟
تعاملت بفكرها مع الدولة بينما اكتفت الدولة بالتعامل معها أمنيًا فقط

◘ ولكن هناك مؤشرات واقعية على الأرض تؤكد انتصار الدولة على الإرهاب في سيناء على وجه التحديد؟
لا يمكن لأحد، أن يختلف بالأساس على انتصار الدولة الساحق أمام الإرهاب؛ فهي تمتلك آليات القوة المسلحة، والمعلومات الكاملة، ولديها أجهزة تستطيع الوصول لطبيعة نشاط التنظيمات وخريطة تحركاتها، ومواطن الضعف والقوة، ولكن بجانب معركة التحرير في سيناء وتطهير بؤر الإرهاب، يجب أن نطهر البيئة التي قد يتكاثر فيها الإرهاب مجددا، حتى لا نجد أجيالًا جديدة من المتطرفين، ونعيد الكرة مرة أخرى.

◘ لماذا تغيرت كنُى قيادات الإرهاب من أبو مصعب الزرقاوي وأبو حمزة إلى كريستيانو وجلجل كما ذكرت في أحد أبحاثك؟
الموضوع مرتبط لحد كبير بفكرة المراوغة والتخفي عن الأمن؛ الكنى القديمة كانت وسيلة للتحايل، ولكن كانت معبرة عن الثقافة الجهادية، لذلك كانوا يسمون أنفسهم بأسماء ذات دلالة شرعية ونفسية مثل أبو عمر المصري لإثبات رجولتهم، ولكن الأسماء الجديد تمكنهم من التخفى أكثر للإفلات بجرائمهم.

◘ الإخوان تحاول دائما إبعاد شبهة الإرهاب عن نفسها خصوصا أثناء توجيه خطاباتها للغرب وتعطي العديد من الدلائل للتفريق بينها وبين الجماعات التكفيرية.. ما الفارق برأيك بين هذا وذاك؟
الإخوان هي أساس العنف أصلا وأهم مرجعياته، ومنها خرجت جميع حركات وتنظيمات التطرف.

◘ أي أساس وضعته لهم؟
وضعت لهم الأسس الفكرية والفقهية التي بنوا عليها أبحاثهم وأرائهم في العنف، يكفي أن سيد قطب هو أحد رموز التكفير بكتبه الثلاثة «المستقبل لهذا الدين، ومعالم في الطريق، وفى ظلال القرآن» بجانب عشرات المقالات التي كتبها، والجريدة التي حملت إسمهم وهي الإخوان المسلمون، ورأس تحريرها سيد قطب، وكانت تحض على العنف بشكل صريح، وفيها وصف المجتمع بالكفر والجهل.

ومنها أيضا كان الدور الذي وضعه سيد قطب لما أسماه بـ«العصبة المؤمنة، التي تقود التغيير العنيف، كما أن هناك اعترافات من داخل الإخوان بممارسة التنظيم للعنف، وعلى رأسهم فريد عبدالخالق القيادي التاريخي وعضو الهيئة التأسيسية للجماعة، الذي كشف واعترف بتدبير سيد قطب محاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر عام ١٩٦٥.

◘ ولكن بعض المتعاطفين مع الإخوان يرون أن سيد قطب كان حالة استثنائية وليدة ظروف.. هل كان الأمر كذلك؟
لا.. لم يكن حالة استثنائية بالتأكيد، هو كان العقل المفكر لرسم الخطط التربوية، التي نشأ عليها أجيال الإخوان، وما زالت معمولًا بها حتى الآن، بغض النظر عن بعض التغيير الذي طرأ عليها، وبأي حال لا يمكن مطالبة الجميع بممارسة العنف، خصوصا أن هناك توزيع للأدوار، أحدهم يلعب دور المنفذ، وهناك من يقف خلف الستار ليهيئ مسرح الجريمة، في النهاية العنف لا يمكن اختصاره في قرار، ولكنه حالة تعيشها التنظيمات المتطرفة، وتبدأ بالعنف اللفظي، مرورا بالسلوك نهاية بمرحلة التأصيل الشرعى.

◘ من آخر المشهد وبعد إعادة انتخاب أردوغان.. إلى أي مدى كان التعويل على الإخوان في حسم انتخابات الرئاسة التركية؟
الإخوان يتواجدون بصورة مكثفة؛ هم يؤيدون رجب طيب أردوغان، لأنه وراء تواجدهم في تركيا، كما أن المنافس الرئيسي لأردوغان كان يضع ضمن برنامجه حال فوزه في انتخابات الرئاسة التركية، ترحيل كل من يمثلون الإسلام السياسي في تركيا، إعتقادًا منه أن هؤلاء خطر على الدولة، وبالتالي الإخوان وغيرهم من الجماعات والتنظيمات الدينية، الموجودة على الأراضي التركية، ترى في استمرار رجب طيب أردوغان، أمرًا في غاية الأهمية بالنسبة لها، ويمكن توضيح هذه الرؤية أكثر في ردود أفعال الإخوان على حركة الجيش التركي عام 2016.

وقتها شارك الإخوان في الهجوم الشديد على تحرك الجيش لتشويهه، فالأمر كان دفاعا عن الجماعة بالأساس، لأن أردوغان يمثل هذه التنظيمات في العالم العربي والإسلامي، لذا كان يمارس ضغوطا شديدة على مصر، والعديد من الدول العربية والإسلامية لاحتضان الإخوان، وتوفير ملاذ آمن لها.

◘ أردوغان لايزال يمثل كل شيء تقريبا بالنسبة للإخوان.. ما الذي تمثله الجماعة في المقابل للرئيس التركي بعدما فقدت مكانتها السياسية والاجتماعية؟
أردوغان يرى أن تسويق أيديولوجيته، تتلخص في وجود الإخوان المسلمين على وجه التحديد بالعالم العربي والإسلامي، هو يراهم الامتداد الحقيقي له، وبوابة الوصول إلى العالم العربي والإسلامي، وأعتقد أن هناك اختلاف وتنوع ما بين أفكار أردوغان والإخوان، ولكن في النهاية هناك حالة من التلاقي بينهما، وبالتالي هو يرى أن وجود الإخوان أمر في غاية الأهمية في ظل عدائه وخلافاته مع أغلب الأنظمة الحاكمة بالمنطقة، انتهاء بالنظام السياسي في مصر، لذا هم المعّبر والجسر الحقيقي لبناء مايراه أردوغان مُهما وله علاقة بالخلافة الإسلامية، ولاسيما في ظل سعيه الدؤوب لإعادة الإمبراطية العثمانية، ولن يستطيع تحقيق ذلك من خلال انظمة سياسية قوية، بل من خلال جماعات دينية والإخوان على رأسها.

◘ إعلام الإخوان منذ ظهوره وهو يؤصل للمؤامرة والتحقير والذم وإشاعة عدم الثقة بكل شيء.. هل هذا حادث عرضي أم طبيعة في الشخصية الإخوانية؟
الإخوان المسلمون مصابون بمرض «اضطراب الشخصية الاضطهادية» لذا يتميز أغلبهم بالشك غير المنطقي، وعدم الثقة في الناس بوجه عام، وتحقير أفعال الآخرين، كما أن الإخواني يسهل دائما استفزازه، ليندفع في شجار لا داعي له، كما أنه لا ينسى الإساءة ويتردد في الثقة بالآخرين.

◘ وما سمات مرض «اضطراب الشخصية الاضطهادية» الذي تحدثت عنه.. وهل يشمل القواعد فقط أم القادة أيضا؟
جماعات وحركات الإسلام السياسي بأكملها تعاني من هذا الاضطراب سواء على مستوى القادة أو القواعد، وأبرز سماته التيقظ الدائم، والحذر خوفا من أي تهديد، فمن لم يتعرض للسجن، لديه حاجز نفسي أسواره أعلى بكثير من واقع تجربة السجن الذي لم يدخله.

الجريدة الرسمية