هل مصر دولة فقيرة (3)
تعظيم الإيرادات
عند النظر إلى مشكلة عجز الموازنة العامة للدولة، حيث قُدر العجز الكلى بمشروع الموازنة العامة للدولة عن العام المالي (2018/2019)، بمبلّغ وقدره 438 مليارا و594 مليون جنيه (8.4 % من الناتج المحلى الإجمالي) بزيادة قدرها 7.5 مليارات جنيه عن النتائج المتوقعة للسنة المالية الحالية 2017/2018 والبالغة نحو 430.8 مليار جنيه (9.8% من الناتج المحلي الإجمالي).
ومن أجل تعظيم الإيرادات حتى تفوق المصروفات ينبغي مراعاة عدة أمور تقوم بها الحكومة، منها سرعة إصدار قانون التصالح في مخالفات البناء على الأرض الزراعية، وذلك أن حالات التعديات على الأراضي الزراعية استغلالا للفوضى التي شهدتها مصر في 25 يناير 2011 سواء بالبناء أو التجريف أو التشوين، بلغت مليونا و740 ألفا و237 حالة تعدّ، على مساحات بلغت 77 ألفا و350 فدانا و9 قراريط، وأن إجمالي ما تمت إزالته بلغ 402 ألف و417 حالة تعدّ، على مساحات بلغت 22 ألفًا و822 فدانا، وما لم تتم إزالته من حالات حتى الآن بلغ مليونا و337 ألف حالة بمساحات تبلغ 54 ألفا و527 فدانا.
ومن المعروف علميا أن الأراضي التي تم التعدي عليها بالبناء لن تعود صالحة للزراعة مرة ثانية، حتى بعد إزالة التعديات، وأنه من الأوفق مع القانون الصارم لأي حالة تعد، والذي يقضي بالسجن والغرامة والإزالة الفورية قبل اكتمال التعدي أن يكون هناك تصالح في التعديات التي تمت بالفعل، بحيث يحصل من المتعدين قبل صدور القانون مبالغ مالية توازي قيمة أرض بناء، وتستغل هذه القيمة المحصلة وهي مقدرة بالمليارات( قدرها البعض بما يقارب 800 مليار جنيه) في زراعة الصحراء وتعظيم الإيرادات، ويبدي المخالفون موافقتهم التامة على أي مبلغ تقدره الدولة للتصالح في المخالفة، وذلك سيحفظ الثروة العقارية التي تم إنشاؤها، كما أنه سيدخل مشتركين شرعيين في المرافق والضرائب وغيرها.
كما ينبغي تعظيما للإيرادات تطبيق الحد الأقصى للأجور تطبيقا صارما على كل مؤسسات الدولة دون استثناء، وعدم التعلل بالخبرات التي من الممكن أن تهرب، وتترك العمل الحكومي في مجالات البنوك والبترول إلخ، لأن الخبرات الموجودة والتي تتمنى أن تحل محل تلك التي ستهرب كثيرة جدا، وستعوض من يهرب من القطاع الحكومي، بل ستكون أفضل بالفعل، وذلك سيوفر للدولة مليارات الجنيهات شهريا. كما ينبغي في هذا الإطار إلغاء عمل المستشارين في الوزارات المختلفة الذين يحصلون على ما يزيد على 28 مليار جنيه بجانب الامتيازات الأخرى، وكل ذلك بسبب المحسوبية والمجاملات، وعددهم لا يقل عن 30 ألف مستشار دون إفادة فعلية للعمل، مع الاكتفاء بخبرات الوزارات العاملة بالفعل في إطار عملها.
وضرورة وقف العلاوة الدورية لمن يزيد مرتبه على 20 ألف جنيه لمدة 5 سنوات، بما سيوفر للدولة 20 مليار جنيه على الأقل، ولن تؤثر تلك العلاوة على تلك الدخول المرتفعة، وضرورة المحاسبة الضريبية العادلة لمثل هؤلاء، بما سيوفر ما يزيد عن 15 مليار جنيه سنويا وليس معاملتهم مثل معاملة باقي الموظفين الذين لا تزيد دخولهم شهريا عن 2000 جنيه.
وفي هذا الإطار ينبغي أن يساهم أصحاب الدخول المرتفعة في زيادة الإيرادات، من مثل أعضاء مجلس الشعب، والفنانين والمذيعين والوزراء، وكبار المسئولين وكبار العاملين بالبترول والكهرباء والمطارات إلخ، بحيث من يزيد دخله السنوي على مليون جنيه يساهم شهريا بـ100 جنيه، تتضاعف لمن يصل دخله لمليوني جنيه وهكذا، وهذه المساهمة لن يشعروا بها مطلقا ولكنها ستدخل للدولة ما يزيد على 100 مليار جنيه سنويا، وتكون تحت بند تكافل أو حب مصر أو مساندة الفقراء ودعمهم، أو أداء الواجب الوطني الخ..
وتستطيع أن تتبين عدد هؤلاء من خلال كم السيارات الحديثة التي تجوب شوارع مصر، وأجهزة التكييف والمظاهر المختلفة للثراء مثل عدد الكمبوندات والفيلل والقصور والأماكن الفاخرة والأندية، وذلك بالطبع سيكون أنفع وأجدى من التبرع بجنيه لا يقوم به سوى الفقراء. كما لا ننسى في هذا المقام ضرورة تطبيق الضرائب التصاعدية بما يحقق العدالة الاجتماعية ويوفر للدولة مليارات الجنيهات.
كما ينبغي أن تحصل وزارة الكهرباء متأخراتها لدى الحكومة، حيث قفزت المستحقات المتأخرة لوزارة الكهرباء لدى المؤسسات والهيئات الحكومية لنحو 31 مليار، لو تم تحصيلها لكان ذلك عاملا مساعدا على عدم زيادة الفواتير على الفقراء كل سنة، وكذلك الأمر بالنسبة لمياه الشرب فينبغي أن تحصل الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي المتأخرات لدى الحكومة والتي تقدر ب12 مليار جنيه.
وضرورة أن تعالج الحكومة مشكلة التوكتوك، حيث بلغ عدد التكاتك العاملة ما يزيد على 6 ملايين توكتوك تعمل دون ترخيص، ودون أمن أو صيانة، وتتسبب في جرائم لا حصر لها من الخطف والسرقة والقتل إلخ، ولو تم ترخيص هذه التكاتك التي لم تعد الحكومة قادرة على منعها لكان ذلك أجدى وأفضل للمواطنين والحكومة، فلو تم ترخيص هذه التكاتك فستحصل الحكومة سنويا على ما يزيد على 3 مليارات جنيه، بجانب ضمان سلامة الراكب، واستخدام التوكتوك بطريقة مشروعة تحت نظر الحكومة.
والعودة لمشروع الكارت الذكي للبنزين الذي قرر الوزير أنه مشروع فاشل بعد الإنفاق عليه ملايين الجنيهات، ونحن نرى أن ذلك المشروع سيحقق العدالة في مجال قطاع البترول، فعندما نسأل وزير البترول عن سبب تقليص حجم الدعم المقدم للبنزين، فمثلا بنزين 80 بعدما كان سعر اللتر للمستهلك 3.65 جنيهات صار 5.5 جنيهات، يجيب بأن تلك الزيادة حتى يذهب الدعم لمستحقيه..
فالغني يشتري اللتر بنفس السعر الذي يشتريه به الفقير، فكانت الزيادة، وهذا كلام غير معقول، فقد عالج سيادته المشكلة بأن رفع السعر على الفقير والغني فتساويا في السعر، ولن تفرق الزيادة مع الغني ولكنها ستفرق مع الفقير الذي عوقب بالفعل دون ذنب سوى أن الحكومة غير مستطيعة تحديد الغني من الفقير، وبيع البنزين للغني بسعر يختلف عن سعرها للفقير..
وكان الكارت الذكي سيحل هذه المشكلة، بحيث يدفع الغني سعر اللتر العادل، مع تقديم الدعم المناسب للفقير، وذلك من خلال الكشف عن الدخول المختلفة وتطبيقها في منظومة الكارت الذكي، وهذا الأمر سيوفر ما يزيد على 60 مليار جنيه، خاصة مع ملاحظة الكارت الذكي الخاص بالسفارات وأعضاء السلك الدبلوماسي، ورجال الأعمال والأثرياء والمشاهير الذين سيدفعون ثمن اللتر العادل، كما سيوفر على الدولة رفع سعر البنزين على الفقير سنويا بما يعني زيادة جميع أنواع السلع.
وينبغي في هذا الإطار وقف البذخ والإسراف الحكومي المتزايد، حيث نجد أساطيل السيارات المخصصة للوزراء ونوابهم ومستشاريهم إلى درجة مدير عام، وملايين أجهزة التكييف والأموال التي بلا حساب، والتي تصرف على الحوافز والجهود والمسميات المختلفة مثل الجلسات، وتجديدات المكاتب والشئون الإدارية، بما يزيد سنويا على 15 مليار جنيه بل رقيب أو حسيب، فالبلد بلدنا والورق ورقنا والدفاتر دفاترنا !.