رئيس التحرير
عصام كامل

الأوامر المنسية من القرآن (11)


نستمر في عرض الأوامر الربانية الواردة بالقرآن والتي تناساها الناس وانشغلوا فقط بأوامر العبادات والشعائر مثل "وأقيموا الصلاة" أو "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" ورغم أهمية ذلك إلا أنهم تجاهلوا أغلب أوامر الله عز وجل في المعاملات والتي أنزلها الله وأمر بها لتنظيم العلاقة في المجتمعات البشرية وبين عباد الله وبعضهم بعضا.


نتوقف اليوم عند أمر الله تعالى في قوله: "وليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها"، الواردة بالآية 189 بسورة البقرة، وكل التفاسير القرآنية تتحدث عن المعنى المباشر للآية بضرورة تنظيم زيارات الناس لبعضهم وأن عليهم الدخول من أبواب البيوت الأصلية وليس من أبواب خلفية أو من سور حديقة أو غيره.

ورغم احترامنا لهذا التفسير وقبولنا به إلا أننا نرى من روايات أسباب النزول مثلا رواية "عطاء بن أبي رباح"، الذي يقول "كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا منازلهم من ظهورها ويرون أن ذلك أدنى إلى البر" فقال الله تعالى: (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها). 

كذلك قال محمد بن كعب: كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت فأنزل الله هذه الآية..

وهنا نري أن الموضوع ليس إذنا لتنظيم دخول الزائرين إلى منازل غيرهم بل لأصحاب البيت إلى بيتهم! كما أن فكرة أن الأمر لأصحاب البيت أيضا خشية أن يروا أهل بيتهم فيما هو مسئ تبدو غير مقنعة، وبالتالي يبدو التفسير الظاهري المباشر يحتاج إلى التوقف لفهمه، ولذلك علينا اللجوء للتفسير الأشمل الذي اعتدنا عليه من آيات القرآن وتعاليمه وآدابه.

وبتطبيقها هنا يمكننا فهم الآية على كونها تنظم، وتدعو إلى أن نسلك الطريق الشرعي والمباح في أي عمل.. دون وسطاء.. دون تحايل.. دون لف أو دوران.. دون مباغته.. وهو ما تعارف عليه الناس مثلا في الزواج حتى يقولون "هدخل الييت من بابه" وهو ما ينطبق على التجارة والشراكة وحق الشفعة وغيرها وغيرها.

أجمل ما في آيات القرآن أنها نزلت في زمن.. فثبت نصها.. إلا أنها صالحة لكل الأزمان وهذا لا يتم إلا في إعادة قراءة الآيات وفهمها عبر الأزمان، وكما يقول المفكر الإسلامي السوري الكبير "ثبات النص وحركة المحتوى".

في كلا الحالتين والتفسيرين نحتاج إلى الالتزام بأمر الله سواء كان لآداب الدخول إلى بيوت ومخادع الآخرين وزيارتهم أو كان المعنى الأشمل لفكرة التعامل معهم في مناحي الحياة.. ولو التزمنا بكليهما لتجنبنا مشكلات لا حصر لها.. ونحن في غنى عنها.. فقط نؤمن أنها أوامر من عند الله.. مثلها مثل غيرها وصدق الله فيما أنزل وبما أمر.
الجريدة الرسمية