رئيس التحرير
عصام كامل

عصام كامل يكتب: وطن فوق سطح الماء

الكاتب الصحفى عصام
الكاتب الصحفى عصام كامل رئيس تحرير جريدة «فيتو»

في أكثر من مناسبة التقيت السيدة إيفت شولتسا سفيرة دولة لاتفيا بالقاهرة، وقد أدهشتنى تحركاتها بين مجتمع رجال الأعمال، والحرص على حضور المؤتمرات، ومتابعة المشروعات القومية المصرية ومحاولاتها الدءوب، خلق فرص تعاون بين الدولة المصرية، ودولة لاتفيا سواء على المستوى الرسمى أو على مستوى القطاع الخاص.


ولأن لاتفيا تقع هناك على ساحل بحر البلطيق في مساحة لم يكن للشرق الأوسط ارتباط بها كما عهد جيلنا إلا من خلال الاتحاد السوفييتى قديما، عندما كانت لاتفيا واحدة من المناطق التي تقع تحت الاتحاد قبل الاستقلال، ولم تكن ريجا عاصمة ذات تأثير في محيطنا العربى، وقد أدهشنى أكثر إحساس السيدة إيفت ببلادها ونشاطها الملحوظ وقدرتها على طرح بلادها سياحيا واقتصاديا على الميديا في مصر، حالة تستشعر معها إيمان الدبلوماسى بأن محيط عمله ليس داخل المكاتب المكيفة، أو من خلال دعوات رسمية.. كما طرحت السيدة إيفت نفسها ضيفا على منتديات ومؤتمرات اقتصادية٬ وسعت لالتقاء وزراء ومسئولين، وعاشت معنا طرح مشروعنا الإصلاحى وأدلت بدلوها فيما يجب أن نفعله، خاصة وأن لبلادها تجربة مع الإصلاح الاقتصادى بعد التحرر، والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

بعد فترة من التعارف والالتقاء دعتنا سفيرة لاتفيا إلى زيارة بلادها، وأشهد أن المفاجآت التي شاهدناها هناك رسمت داخلنا ملامح لبلاد كبيرة، بحضارتها وهويتها التي لم تستطع سنوات البقاء تحت الراية الروسية طمس معالمها.
بلاد تعيش على سطح الماء، بها ١٢ ألف نهر، و٣ آلاف بحيرة، وتعتبر شجرة الزيزفون رمزا يعتز به الشعب اللاتفي، إضافة إلى شجرة السنديان، وتعتبر الأخشاب واحدة من أهم منتجاتها.

استطاعت لاتفيا بحكم قدرات شعبها الذي لا يزيد تعداده على مليونين ونصف المليون يعيشون على مساحة ٦٤ ألف كيلومتر ونصف الكيلو متر أن تعبر إلى مصاف الدول القادرة على الإسهام الحضارى والتقدم التقني، خاصة وأنها تملك نظاما تعليميا رائدا.
متعة السير في شوارع ريجا لا يضاهيها إلا متعة السفر بين أقاليمها المتعددة، حيث ترى بوضوح شعبا لديه تراث يعتز به، وسط حضور سياحى يتنامى يوما بعد يوم، وإقبال على التعليم في جامعاتها العريقة، إضافة إلى تراث معمارى مدهش، وقلاع وحصون قديمة عادت إليها الحياة، وأصبحت منارات سياحية مهمة.

رحلة إلى تحفة بحر البلطيق، تؤكد لك أن الاحتفاظ بالهوية لا يحول دون التعاطى الحضارى مع المحيط الإقليمى والدولي، ويؤكد من جديد أن الشعوب القديمة تحتفظ بتفاصيل قد تعود لمئات السنين، مع عادات وقيم لم تندثر، ولم تتأثر بسنوات الاحتلال أو الاغتراب داخل كيانات فعلت كل ما بوسعها، من أجل تغيير تلك الهوية دون جدوى.

النموذج الاقتصادى الذي انتهجته لاتفيا في تجربتها الإصلاحية لم يستسلم لصندوق النقد والبنك الدوليين، بل فرض شروطه واستطاع بتجربة وطنية أن يمضى في طريقه إلى آفاق أكثر رحابة، بعد أن خاضت البلاد معركة مع التقشف، بدأت بالحكومة ولم تتوقف عند المواطن الذي آمن بما تفرضه الظروف، حتى وصل إلى بر الأمان، واستطاعت أن تتبنى نموذجا ديمقراطيا قادرا على تحمل المسئولية فعزفت البلاد سيمفونية أنقذتها من أزمتها، بل ومن كل الأزمات التي تعرضت لها بعد الاستقلال.

لاتفيا تحتفل هذه الأيام بمرور مائة عام على تأسيسها وسبعة وعشرين عاما على استقلالها عن الاتحاد السوفييتى عام ١٩٩١م، وهى المناسبة التي دعت فيتو لإصدار هذا الملحق، تحية لشعب قدم تجربة في الاستقلال والإصلاح، والإسهام الحضارى.. تحية إلى شعب لاتفيا في عيد تأسيس بلاده، وتحية له في عيد استقلاله.
الجريدة الرسمية