استحضار التاريخ (٢)
ذكرنا في المقال الفائت أن استحضار أحداث التاريخ المهمة عملية ضرورية، وذلك للعظة والعبرة والاستفادة، فقد أثبتت الأيام أن الأسباب الحقيقية وراء هذه الأحداث تكاد تكون واحدة، مع اختلاف الزمان والمكان، خاصة إذا كانت الظروف متشابهة أو قريبة منها.. وهذا الأمر يتطلب إلقاء الضوء على تلك الأسباب ودراستها، حتى لا يقع الإنسان في أخطاء كارثية قد تكلفه فوق طاقته..
إن الطبيعة البشرية قد يعتريها ضعف وتلون وتقلب، بل وانحراف قد ينزلق بأصحابها إلى هاوية مدمرة، إذا لم يغيروا من أخلاقهم وسلوكهم، أو يحول أحد بينهم وبينها قبل فوات الأوان.. خذ على سبيل المثال مسألة الشذوذ أو المثلية الجنسية، التي أوردها ربنا تبارك وتعالى في قصة قوم لوط، حيث قال جل وعلا في سورة هود: "ولما جاءت رسلنا (أي الملائكة) لوطا سيئ بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب، وجاء قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات (أي إتيان الرجال)، قال يا قوم هؤلاء بناتى (أي بنات القرية التي يعيش فيها) هن أطهر لكم، فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفى، أليس منكم رجل رشيد، قالوا لقد علمت مالنا في بناتك من حق، وإنك لتعلم ما نريد"..
وكان عقاب ربنا لهم ولمن سار خلفهم، أليما شديدا، كما قال جل وعلا: "فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود (أي حجارة صلبة من نار وطين، وبشكل متتابع)، مسومة عند ربك (أي معلمة بعلامة)، وما هي من الظالمين ببعيد"..
ولم تتوقف ظاهرة الشذوذ عبر التاريخ، وقد رأينا مؤخرًا بروزها ورواجها في العصر الحديث من خلال أفراد وجماعات في دول تدعى التحضر والتقدم، لدرجة أنها أصدرت قوانين تسمح بالزواج بين المثليين، وكأنها أمور طبيعية وفطرية، ربما ضمانة لهؤلاء كى يعيشوا في سلام وأمان من ناحية، وحتى لا ينظر إليهم البشر العاديون على أنهم يمارسون أعمالا خبيثة، مخلة ومخجلة من ناحية أخرى..
ولا شك أن أصحاب هذا الفعل القبيح، ومن يروجون له، هم في الحقيقة مرضى نفسيون يحتاجون إلى علاج، ومن ثم وجب على المؤسسات المعنية في الدولة أن تقوم بعزلهم في أماكن أو مستشفيات خاصة، كما يتطلب الأمر سعيا جادا وصادقا من الكتاب والأدباء والمفكرين وعلماء النفس والاجتماع، فضلا عن المؤسسات المعتبرة في الدولة- كالأزهر والكنيسة- بحيث يكون لها دور في تهيئة الأوضاع الثقافية والأخلاقية والاجتماعية؛ أولا: لانتشال هذه النوعية المتردية من البشر مما هي فيه، وثانيا: لتهيئة المناخ العام والخاص لمنع الأفراد والجماعات من الانزلاق أو الوقوع في هذه الوهدة المظلمة، والله المستعان.