رئيس التحرير
عصام كامل

دير المدينة مخصص لعمال حفر وتزيين المقابر الملكية بـ«الأقصر»

مقابر دير المدينة
مقابر دير المدينة بغرب الاقصر

دير المدينة أو "مقابر العمال" هي مدينة تقع بمدينة القرنة غرب الأقصر، كانت مخصصة للعمال الذين يقومون بحفر وتزيين المقابر الملكية، ظلت مدفونة تحت الرمال إلى أن تم اكتشافها في مطلع القرن العشرين على يد الأثري الفرنسي "برنار برويار "عام 1922 بعد بحث 30 سنة.


وقال أحمد خليفة مدير عام آثار الأقصر، إن مدينة العمال أو دير المدينة هي جزء سفلي من وادى صحراوي يحيط بها جبال طيبة،والتي عاش بها العمال والحرفيون الذين قاموا بتزين المقابر الملكية بعيدًا عن السكان، وهؤلاء العمال في رحلتهم إلى المقابر كانوا يتبعون الضرب الذي يمر فوق الدير البحري وكان في هذه المسافة دير المدينة ووادي الملوك أعلى الجبل.

وأضاف: كان يوجد داخل المدينة أيضًا أكواخ للاستراحة مسقوفة من جذوع وفروع النخيل وذلك للمبيت بها ليلًا، وكان على هؤلاء الحرفيون أيضًا تجهيز وادى الملكات، وهو مكان أكثر قربًا من قريتهم حيث كانوا يمرون بجانب الإله "بتاح" راعى الحرفيون والمعبودة الحية "مرت سيجر " المحبة للسكون وحارثة الجبانة والتي كانت تبُجل في هذا المكان وكانت المنطقة محاطة بنقاط حراسة، مشيرًا إلى أن موظفو "مؤسسة المقبرة" كما سماها المصريين القدماء، ينقسمون إلى فريقين، فريق اليمين وفريق اليسار، يعملون تحت إشراف للوزير المسئول عن آثار مصر العليا في ذلك الوقت.

وكانت هذه المجموعات تضم بينهما العتالين والنحاتين والرسامين يرأسهم 2 من رؤساء المجموعات، ويساعد كلًا منهما ابنه الأكبر وذلك بتفويض من الوزير والذي كان يتابع العمل اليومي للعمال ويتولى إدارة العمل، أما عن خبرة هؤلاء الرجال فكانت تنتقل من الاب إلى الأبناء، ويمكننا رؤية ذلك عبر عدة أجيال في بعض العائلات.

وأشار خليفة، إلى أن السنة أيام هؤلاء العمال كانت مقسمة إلى 36 أسبوعا يتكون كل أسبوع من 10 أيام، وكانت فترة العمل تمتد إلى 8 ساعات متواصلة خلال اليوم لمدة 8 أيام في الأسبوع ثم يأخذ العمال يومين راحة.

وأوضح مدير عام آثار الأقصر، أن دير المدينة هو الاسم الحديث للقرية ويشير إلى وجود دير في المدينة، اما الاسم القديم لدير المدينة "مكان الحقيقة أو النظام "وكان أعضاء هذا المجتمع أي القرية يحملون لقب "الخدام في مكان الحقيقة".

وأضاف خليفة أن الأثري الفرنسي "برنار برويار "اكتشف إلى جانب قرية العمال قوالب من الطوب منحوتة ومختومة والتي تم أخذها من الجدار أو السور المحيط بالقرية ويوضح هذا النحت أن القرية تم تأسيسها في عهد الملك تحتمس الأول عام "1504-1964 "قبل الميلاد"، وأن طول قرية العمال يبلغ 132 مترا وعرضها 50 مترا وتحتوي على 68 منزلًا موزعين على يمين ويسار طريق رئيسي يقسم منازل القرية إلى قسمين، حيث كان هناك حراس يراقبون المدخل الرئيسي وذهاب وعودة السكان داخل القرية، وكانت منازل القرية مكونة من 3 غرف ومطبخ ومتوسط مساحة المنزل 60 مترا مربعا، وكانت الحجرات مرتبة في صف واحد، فعلى سبيل مدخل هناك مدخل مخصص للآلهة المعروفة أو المألوفة وعبادة الاسلاف، ثم قاعة استقبال ثم الغرف والمطبخ المفتوح حيث يوجد به فرن والتي كانت يتم استخدامها للخبيز،وكانت ارضيات المنازل ترابية والأسقف مصنوعة من جذوع النخيل.

ويتابع خليفة قائلًا، إنه كان هناك فريقين من الرجال الذين كانوا يسكنون خارج القرية يديروهم من خارج القرية أيضًا ومنهم حاملى المياه والمزارعين والصيادين، حيث كانت مهمة حامل المياه توصيل وامداد القرية من المياه، والفريق الآخر من الصيادين والمزارعين مهمته إمداد القرية بالمنتجات الطازجة مثل "الخبز –والفواكه - والخضراوات – والأسماك والجعة أي "البيرة " كما كان يوجد داخل القرية غاسلي الملابس والذين كانت مهمتهم تنظيف الملابس، والحدادين الذين يقومون بتصنيع الأدوات وكان ايضًا صانعي الأدوات الفخارية، وكان منهم الأطباء.

وكان مجتمع قرية العمال يبجلون المعبودة المحلية "ميرت ايجر "وحتحور وامنحوتب الأول وامه احمس نفرتارى " وكذلك المعبود أمون، ويوجد بجوار القرية المعبد البطلمى إضافة إلى المعبد المقدس للمعبودة حتحور والذي بناه البطالمة في القرن الثالث قبل الميلاد.

وقال مدير عام اثار الأقصر، أن أهالي قرية العمال كانوا يحتفلون بكثير من الاعياد، والاحتفالات الرسمية والتي كان يقوم فيها الحاكم بتوزيع المكافآت والملابس على أهالي القرية، مضيفًا أنه كما شهدت القرية الكثير من الاحتفالات والأيام السعيدة شهدت ايضًا اضطرابات اقتصادية والتي كان نتيجتها حرمان العمال من أجورهم العينية وكان ذلك في عهد الملك رمسيس الثالث في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، والتي قام العمال بعدها بعمل اضطرابات والتي تعد الأولى من نوعها الموثقة في التاريخ، أما في وقت لاحق، حدث انقلاب أمني تسبب فيه البدو والذي كان نتيجته ترك العمال للقرية وسكنوا ببقايا معبد هابو.

وأوضح خليفة أنه تم العثور على مقابر للحرفين من داخل القرية على منحدرات الوادي وتم اكتشاف بعضها سليمة مثل مقبرة "أن سنجير "والتي عُثر بها على الأثاث الجنائزي "، وكان يعلو هذه المقابر هرم من الطوب يتوجه هريم من الحجر ولوحة محفورة في مواجهة الشرق مكرسة لمعبود الشمس، لافتا إلى أن هذه المقابر تم ضمها وتسجيلها ضمن قائمة الطراز العالمى الثقافى عام 1979، ولا يزال المعبد الفرنسى للأثار الشرقية يقوم بأعمال البحث والترميم بها بالتعاون مع المجلس الاعلى للأثار.
الجريدة الرسمية