الشيخ عاشور الذي فقدناه.. العلم والسماحة في رجل!
ببساطته المعهودة كان يسير فضيلته على الإسلام بتعاليمه كله، أمر الإسلام بالسعي للعلم فسعي إليه شيخنا وعرفناه يفتش بين مدارس الفقه المختلفة.. وكان رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام يختار الأيسر بين أي أمرين يخير بينهما وكان شيخنا كذلك..
وبينما كان آخرون غيره وربما في البرامج نفسها يسيئون للإسلام الحنيف بغلظتهم وانفعالهم، وأحيانا تطاولهم على غيرهم، كان هو يتبع سنة رسول الإسلام، فكان رفيقا مع من يختلف معه، وكان خفيض الصوت يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم ينس أبدا وصايا رسول الله حين قال "تبسمك في وجه أخيك صدقه"!
لم يعرف التعصب فلم نره مره متعصبا ولا عصبيا، لم يعرف لغة الكاميرا المتداولة عند الكثيرين من "الانفعال الزائد" و"تصنع الانفعال" من أجل إعداد مواد تحبها شبكات التواصل الاجتماعي ونشطاؤها وكذلك المواقع الصحفية تعيد وتزيد فيها، ومعها تزداد شهرة صاحبها ويعرفه الناس أكثر وأكثر.. إنما هو أدرك حجم مسئوليته، وأنه عالم دين.. أي ممن "يخشون" الله من بين عباده..
وأن دوره البلاغ، ولكنه اختار-كما وصف ربه نبيه- "البلاغ المبين" فكان نموذجا طيبا لرجل الدين الوقور المحترم، لم نضبطه مرة في غير مكانه، ولا مجيبا عن غير ما سألوه، ولا متحدثا في غير موضوع الحوار..
عرفناه متواضعا وهو العالم، بينما غيره متعال عن جهل.. فكانت المقارنات لصالحه، ولا نظن أنه كان يقصد ذلك أو يتصنعه، إنما سلوك الفطرة السليمة التي لا تكتسب ولا تشتري ولا تستحضر من عدم!
فقدنا شيخا جليلا وعالما كبيرا.. أدرك أن دور عالم الدين مطابقة الشرع على الواقع، وأدرك في البعد الاجتماعي حقوق الفقراء عند الأغنياء، وأدرك دور الدولة في المجتمع، ولذلك خسارته كبيرة، ولا نملك إلا الدعاء بأن يتقبله الله برحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أسرته وأهله وأصدقاءه وتلاميذه ومحبيه كل الصبر.. وداعا شيخنا محمود عاشور!