رئيس التحرير
عصام كامل

سيمون فاي.. مناضلة فرنسية رحلت وتركت فراغا كبيرا

فيتو

بعد رحلة طويلة قضتها المناضلة سيمون فاي، أحد أبرز الشخصيات السياسية، ووفاتها في 30 يونيو 2017م، قررت فرنسا تكريمها بنقل جثمانها إلى مقبرة العظماء الواقعة في الدائرة الخامسة في باريس والتي تُعرف باسم البانثيون حيث ترقد 76 شخصية فرنسية تعد من «كبار الأمة».


حياتها
تولت سيمون فاي عبر مشوارها السياسي العديد من المناصب، أبرزها منصب وزيرة في حكومة جاك شيراك خلال ولاية الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان في 1974 ورئيسة البرلمان الأوروبي في 1979، لتدخل في مارس 2010 الأكاديمية الفرنسية، وعرفت بمواقفها القوية وأفكارها المدافعة عن الإنسانية والعدالة وحقوق المرأة.

تركت سيمون فاي بصماتها على الحياة السياسية الفرنسية، فمسيرتها المميزة منحتها شرعية سياسية وتاريخية كان لها أثرها في الداخل الفرنسي والخارج.

وبدأت سيمون فاي حياة النضال مع بداية الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد في 30 مارس 1940 عندما تم توقيفها، من قبل البوليس النازي «لجستابو» -جهاز مخابرات ألماني أسسه أدولف هتلر من ضباط الشرطة المحترفين- في مدينة نيس الساحلية، جنوب شرق فرنسا، وكان اسمها في ذلك الوقت سيمون جاكوب وهي ابنة مهندس معماري من أصول يهودية، تم ترحيلها إلى معسكر الاعتقال الشهير" أوشفيتز" برفقة والدتها وأختها مادلين.

وقصت فاي في كتاب لخصت فيه مسيرتها النضالية قائلة: «الموكب الذي كان يقلنا إلى معسكرات اعتقال بمدينة أوشفيتز توقف على الطريق ليلا. تعرضنا إلى هجمات من قبل عسكريين ألمان والكلاب كانت تنبح بقوة. كانت الرحلة عبارة عن كابوس لغاية وصولنا إلى معسكر الاعتقال».



نضال سيمون
ناضلت سيمون فاي طيلة حياتها من أجل التعريف بالدور الهام الذي لعبه عدد من النساء والرجال الفرنسيين، لإنقاذ عائلات يهودية من الموت إبان الحرب العالمية الثانية، يطلق عليهم اسم "العادلون".

وفي العام 2000، قلدت منصب الرئيسة الشرفية للمؤسسة من أجل الحفاظ على ذاكرة المحرقة النازية.



قانون فاي
بعد نهاية الحرب في 1945 وعودتها إلى باريس، حصلت سيمون فاي على شهادة ليسانس في الحقوق وتزوجت في 1946 أنطوان فاي، فيما قررت ترك مهنتها كمحامية لتنطلق في تجربة جديدة في مجال القضاء.

في العام 1974، دخلت سيمون فاي عالم السياسة وشغلت منصب وزيرة الصحة في حكومة جاك شيراك بعد انتخاب فاليري جيسكار ديستان رئيسا جديدا لفرنسا في نفس السنة.

ولم يختر الرئيس الفرنسي الجديد آنذاك سيمون فاي صدفة بل كان يدرك جيدا موقفها بشأن قضية الإجهاض، وكلفت بتقديم مشروع قانون أمام البرلمان لتشريع الإجهاض الاختياري للنساء الفرنسيات.

وقد ساند جيسكار ديستان موقف سيمون فاي لكن رغم ذلك عارضت الجمعية الوطنية الفرنسية هذا القانون وخرج الآلاف إلى الشوارع للتعبير عن معارضتهم له أيضا.

ولم تقلل المظاهرات والشتائم من عزيمة سيمون فاي، بل تشبثت بالمشروع حتى صادق النواب الفرنسيون العام 1975 في تصويت تاريخي على قانون الإجهاض الذي صار يسمى نسبة إليها (قانون فاي). هذه المعركة التي خرجت منها قوية، منحت لها مكانا في قلوب الفرنسيين طيلة سنوات، حيث اختيرت في 2016 أفضل شخصية نسوية عندهم



التزام أوروبي
في 19 يوليو1979، فاز حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية (الوسط) الذي كانت تنتمي إليه سيمون فاي بالانتخابات الأوروبية. وانتخبت بعدها كأول رئيسة للبرلمان الأوروبي العام 1979 وبقيت نائبا في هذا البرلمان حتى العام 1993، وهي السنة التي عادت فيها إلى الحكومة بعد فوز اليمين الفرنسي بالانتخابات التشريعية في عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران.

استلمت فاي في 1993 منصب وزيرة دولة مكلفة بالشئون الاجتماعية والصحة وشئون المدينة. لتكون بذلك أول امرأة تحصل على رتبة وزيرة دولة في فرنسا.

في 1997، عينت سيمون فاي رئيسة للمجلس الأعلى للاندماج بفرنسا ثم عضوا في المجلس الدستوري بين عامي 1998 و2007. وأعلنت عن مساندتها للمرشح اليميني للانتخابات الرئاسية نيكولا ساركوزي.



الدخول للأكاديمية الفرنسية
وتعد سيمون فاي المرأة العاشرة التي دخلت الأكاديمية الفرنسية من مجمل 708 أكاديميين دخلوها منذ نشأتها العام 1635. ودخلت فاي هذه الهيئة المرموقة وعلى حافة سيفها الأكاديمي رقم 78651 وهو الرقم الذي كان مرسوما على ذراعها عندما كانت سجينة في معتقل "أوشفيتز" النازي.

وانضمت سيمون فاي إلى نساء دخلن الأكاديمية كمارجريت يورسنار وجاكلين دو رومييه وهيلين كارير دانكوس وفلورانس دولاي وآسيا جبار، وقالت يوم دخولها: «النساء لهن نظرة مغايرة للمجتمع. لذا من المهم أن تكون لهن رؤى عملية وواقعية مقارنة بالرجال».

رحيل سيمون فاي سيترك فراغا كبيرا في الحياة السياسية الفرنسية لكن نضالها سيبقى بمثابة منارة لكل النساء اللواتي يعشقن الحرية ويدافعن عنها وعن القيم الحميدة.


الجريدة الرسمية
عاجل