ألغاز ميزانية 2017 لمستشفى 57357.. ضخ أموال لمشروعات دون جدول زمنى.. 1 مليار و133 مليونا أصول ثابتة.. و824 استثمارات المستشفى في أذون خزانة وصناديق استثمار وشهادات إدخار
في التاسع والعشرين من مايو الماضى، ألقتْ “فيتو” في أنهار الصمت المريب حجرًا ثقيلًا، فكان الأثر مُدويًا وعنيفًا. التواريخ والأرقام.. تؤكد أن “فيتو” – وحدها وقبل أية وسيلة إعلامية- هي صاحبة السبق في كشف ما يحدث داخل مستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال، وطرحتْ تساؤلاتٍ منطقية، باعتبارها صاحبة حقٍ مشروعٍ في البحث عن الحقيقة، والرقابة على ما تتغاضى عنه أو تتناساه أو تنساه في ظل مهامها المتراكمة، الجهاتُ الرقابية المُختصة. “فيتو” هي من تصدتْ للكشف عن التبرعات المليارية وبنود إنفاقها، وتخصيص “الرقم الأدنى” لعلاج المرضى الصغار، فيما تذهبُ بقية الحصيلة إلى بنود أخرى كالإعلانات والسفريات وجلب الوجبات الفاخرة من فنادق النجوم الخمسة لأعضاء مجلس الأمناء، ومساراتٍ أخرى لا تعلمونها، اللهُ يعلمها.
ومع كلِّ فصلٍ جديدٍ من فصول الحملةِ الصحفيةِ التي يقودُها الزميل: أسامة داود، أكدت “فيتو” حرصها الشديد على ضرورة استمرار تدفق التبرعات على المستشفى وتوفير العلاج لكل من ابتلاه الله بالمرض اللعين، تزامنًا مع حرصها على ضرورة تصويب مسار إنفاق ما تتلقاه إدارة المستشفى والذي وصل إلى مليار و235 مليون جنيه في العام الواحد، وتطهيرها ممن قد يشوه الصورة الذهنية المثالية للمستشفى في رءوس وأفئدة المتبرعين. ومع كل إطلالة.. كانت “فيتو” تطرح التساؤلات المدعومة بالوثائق والمستندات، دون توجيه اتهام لشخص مدير المستشفى أو أي من أفراد الأسرة الحاكمة أصحاب المناصب القيادية الرفيعة والرواتب الفلكية. ربما كان وقع الأمر صعبًا على “الآمر الناهى” في المستشفى، فأعطى إشارة البدء لميلشياته الإلكترونية، التي تتقاضى مرتباتها من أموال التبرعات أيضًا، للتطاول على كل من طرح تساؤلًا أو استفسارًا.
ولم ينجُ الكاتب الكبير “وحيد حامد” من تلك الملاسنات، عندما انضم لحملتنا، في وقتٍ لاحقٍ من خلال الزميلة “المصرى اليوم”، كاشفًا عن “عوالم خفية” داخل هذا الصرح الكبير الذي يجب أن يشهد الفترة المقبلة تطويرا جادًا لمنظومة العمل وإدارة الأموال، تتواكب مع التبرعات المليارية، ومع العدد الكبير للمرضى الصغار، بدلًا من وضعهم على قوائم الانتظار، أو الامتناع عن علاجهم، لدواعٍ واهية.. وفى هذه الحلقة تنفرد “فيتو” بنشر ميزانية 2017، وتفند أرقامها، وتطرح تساؤلات واستفسارات مشروعة جديدة وننتظر توضيحات عليها ونتعهد بنشرها أعمالا للقانون والاعراف الصحفية..
حصلت “فيتو” على مسودة الميزانية العامة لمؤسسة ومستشفى 57357، والمقرر طرحها على مجلس الأمناء هذا الأسبوع. والمثير للجدل أن يتم تجهيز الميزانية بطريقة تخالف كل المعايير والأسس المحاسبية.
المفاجأة الأولى برزت في الإنفاق الذي تتناقض أرقامه بصورة غريبة ونقوم بكشفها، ففى البداية يشير بند المصروفات إلى أن نفقات تشغيل المستشفى تتضمن الآتى: 274 مليون جنيه أجورا بنسبة 38%، و265 مليونًا علاجًا بنسبة 37%، و185 مليونًا مصاريف إدارية بنسبة 25%.. بإجمالى نفقات 724 مليون جنيه بجانب الدعاية والإعلان بمبلغ 107 ملايين جنيه، أي إن النفقات 831 مليون جنيه. لكن هذه الأرقام يضاف إليها في بيان الأجور عن نفس العام أجور المؤسسة، وتبلغ 97 مليون جنيه ليصبح إجمالى أجور المؤسسة والمستشفى 371 مليون جنيه تمثل أجورًا وتأمينات باعتبارهما كيانا واحدًا ويتم إعداد ميزانية موحدة لهما، وبالتالى ترتفع نفقات المستشفى في الأجور إلى نسبة 40% من إجمالى الإنفاق الذي تصل قيمة بنودها الأساسية فقط إلى 927 مليون جنيه، بينما نسبة العلاج لا تتجاوز بالنسبة للإنفاق سوى 28% فقط وهى مبلغ 265 مليون جنيه، بينما المصاريف الإدارية حسب قولهم 25% والإعلان ١٢٪.
والسؤال: ما المصروفات الإدارية التي تبتلع 190 مليونًا في عام 2017 هذا إن كان الإنفاق حسبما يقولون 724 مليونا فقط وليس مليارا كما كان في 2015 أو 2016 وليس مليارا و250 مليونًا مثلما أشارت إليه الموازنة التقديرية 2018، لأنه من المستحيل أن تتراجع النفقات في عام 2017 عما قبله أو عما هو بعده، وإخفاء مبلغ يقترب من 97 مليون جنيه من بند الأجور، وهو ما اكتشفناه بخلاف ما لا نستطيع رصده، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على وجود ما لا نستطيع الكشف عنه ومنها المبالغ التي تذهب في مسارات أخرى لا علاقة لها بالعلاج، والتي لم ترد في مسودة الميزانية بطبيعة الحال!
مليار و٥٢ مليون جنيه مشروعات والتنفيذ 20%
الأوراق والمستندات التي حصلنا عليها من داخل المستشفى تؤكد أن الإدارة أبرمت عقودا مع مقاولين بلغت قيمتها حسبما ورد في مسودة الميزانية مليارًا و52 مليون جنيه، وما تم تنفيذه لا يتجاوز الـ211 مليونًا أي 20% فقط، بينما متبقٍ ما قيمته 841 مليون جنيه وبالرجوع لموازنة 2016 نجد أن هذا الرقم كان 506 ملايين جنيه فقط، وبالتالى يكون هذا تطورًا طبيعيًا لواقع الحال داخل هذا الصرح الكبير.
من المفاجآت أيضًا التي يصعب إخفاؤها في مسودة ميزانية 2017 وجود أصول ثابتة ومشروعات تحت التنفيذ لم يتم وضع برنامج زمنى للانتهاء منها ويصل حجم تلك المشروعات فقط إلى 499 مليون جنيه، تلك الأصول التي تدفع تكاليف إنشائها مقدما وتبقى دون تنفيذ تمثل وسيلة من وسائل استمرار استخدامها في حرب الإعلانات لتفريغ جيوب المصريين.
مديونيات مستحقة
المديونيات المستحقة للمستشفى والمؤسسة لدى الغير زادت في ميزانية 2017 عن العام السابق 2016 بنسبة 76%، وحسب المستندات، فإن معظم المديونيات المتراكمة لدى الموردين والمقاولين والعملاء.. والسؤال هنا: من هم الموردون والمقاولون؟ هل هي شركات تتبع عناصر من العاملين في المستشفى، ويتم إسناد الأعمال لها بالأمر المباشر؟ مثلما حدث مع شركة “SOLVIN EFOS” التابعة للدكتور هشام دنانة مستشار المؤسسة للمشروعات؟ هل من المنطقى أن يتم منح الموردين والمقاولين قيمة الأعمال المتعاقد عليها قبل بدء التنفيذ؟ أليس من المتعارف عليه أن صرف المستحقات للمقاولين يتم عن كل أعمال يتم تنفيذها وبعد تقديم مستخلص خلال مدة زمنية محددة؟ وبعد اعتمادها من الإدارة الهندسية بالمؤسسة بعد التأكد من تنفيذها وبالمواصفات المطلوبة؟ ثم يتم الصرف على أن تحتفظ الجهة بنسبة من كل عملية حتى يتم الانتهاء والتسليم ثم سداد باقى المستحقات.
هذا ما يجب أن يتم.. ولكن على ما يبدو أن الأمور داخل 57357 تسير وفقا لقواعد وأصول محاسبية “خاصة جدا” باعتبارها مؤسسة مستقلة عن الدولة المصرية!
90 مليون جنيه مخزونًا بعضها معرض للتلف
تشير أرقام مسودة ميزانية 2017 إلى أن حجم المخزون من أدوية ومستلزمات طبية وأدوية كيماوية ومحاليل ومتنوعة وأدوات هندسية يصل إلى 90 مليون جنيه، منها أنواع تزيد في 2017 على ما كانت عليه في 2016 بنسبة 20%.. والسؤال من يقر أن تلك المستلزمات والأدوية بحالة صلاحية جيدة؟ وهل هناك ما يتلف ويتم إعدامه في ظل عدم وجود مساءلة من الأجهزة الرقابية؟
لغز الأكاديمية
وقصة الأكاديمية والتي تنضم إلى قائمة المشروعات “الافتراضية” التي بدأتها وتسوق لها إدارة 57357 حسبما تؤكد المصادر أنها أشبه بجسد بلا أحشاء وتمثل هيكلا وظيفيا وأجورا ونفقات بعشرات الملايين دون عائد حتى ولو معنوى.
الأكاديمية وحقيقتها ومن يتولى أمرها، وكم الأموال التي أنفقت وتنفق عليها؟ ولماذا تكون تحت قيادة زوجة شريف أبو النجا منال زمزم، وهل الأخيرة تمتلك دون غيرها المؤهلات الطبية والكفاءة العلمية اللازمة لإدارة هذا الكيان؟ وهل إنشاء الأكاديمية كان بهدف إرضاء بعض القيادات لخلق مناصب لهم حتى ولو كانت “افتراضية” مادام المتبرعون يخرجون ما في جيوبهم سعيا لدخول الجنة من خلال علاج الأطفال؟ وما دام أن المستشفى يلعب دور هوليوود في الإنتاج السينمائى والقدرة على تشكيل رأى عام من خلال الأفلام الإعلانية، والتي تجاوزتها إلى الأفلام والمسلسلات التليفزيونية.. وما دام أنه قادر على صناعة السبوبة ومنها السيطرة على الإعلام؟
لن نجزم بشيء إلا أن يكون مدعوما بالمستندات وهنا نكشف أن الأكاديمية ابتلعت في عام 2016 مبالغ وصلت إلى 29.250 مليون جنيه لصالح برامج مشروعات الأكاديمية.
الغريب أن تلك المبالغ حسبما قال مراقب الحسابات إنها ضمن المشروعات والتي لم تنفذ كالعادة ولكنها أيضا لم تسجل في القوائم المالية في نهاية 2016، كما لم تحدد مستوى المسئوليات عنها طبقا لما قاله مراقب الحسابات، ورغم اختفاء أي أرقام في مسودة الميزانية الخاصة بعام 2017 والتي ننفرد بالحصول عليها مثلما لم يكن للأكاديمية وجود في ميزانية 2015، إلا أنها تظهر فجأة في الموازنة التقديرية للعام الحالى 2018 لتلتهم 20 مليون جنيه لقطاع التدريب لأكاديمية العلوم الطبية!
كيف يكون هناك إنفاق على التدريب؟ وهنا يأتى التساؤل: هل حصلت الأكاديمية على التراخيص اللازمة من التعليم العالى والمجلس الأعلى للجامعات؟ وهل تم إعداد هيكل علمى ومناهج دراسية وتحديد الأقسام والتخصصات حتى يتم رصد لها مبالغ تصل إلى 20 مليون جنيه في الموازنة للعام الحالى؟ وهل لا تزال الأكاديمية كما تؤكد المصادر من المشروعات التي تبتلع الملايين للإنفاق على المواقع والمناصب والوظائف العليا؟
والأسئلة التي تطرح نفسها على وزيرة الصحة الجديدة الدكتورة هالة زايد، التي كانت مديرا تنفيذيا للأكاديمية قبيل استوزارها، كما كانت ترأس لجنة مكافحة الفساد بالوزارة: هل يمكن تصنيف ما تسمى أكاديمية 57357 للعلوم الصحية كمؤسسة علمية؟ هل حصلت ما تسمى الأكاديمية على الموافقات من التعليم العالى والمجلس الأعلى للجامعات والتراخيص اللازمة؟ وهل أصبح للأكاديمية هيكل ونظام ومنهج حتى تستطيع الحصول على تلك التراخيص؟ هل أصبحت الأكاديمية تمنح درجات علمية مثل البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراه أم أنها مجرد سبوبة تمارس عملها بالفكاكة والحداقة والفهلوة؟ ماذا كانت طبيعة عمل وزيرة الصحة بها؟ وكم كانت تتقاضى أجرًا من خلالها؟ وهل كان أجرًا أم ترضية؟ وكلها تساؤلات مشروعة ومنطقية، لا تحمل اتهامًا لأحد، ولكنها تبحث عن إجابات صادقة لا تلتف حول الحقيقة.
قصة الأكاديمية
البداية عندما قرر مجموعة من أساتذة الطب، السعى لإنشاء أكاديمية تتبع إحدى الجامعات العالمية وفى ظل تدفق التبرعات المليارية، وكان مقررا أن يتم الاستفادة بمبنى الأطفال الذي أنشأه الراحل حسين كامل بهاء الدين وزير التربية والتعليم الأسبق ويقع خلف مستشفى 57357، ولكنه رفض، ثم اتجهت الأنظار إلى مبنى الجامعة الأمريكية بالتحرير لاستئجاره ولكن تم تأجيل ذلك حتى يتم استخراج التراخيص وغيرها، لكن كان هناك الدكتور شريف أبوالنجا التقط الفكرة لا لأن يجعل الأكاديمية حقيقة، ولكن لينضم بها كفكرة مشروع إلى عشرات المشروعات التي تمثل ثقبا لتسريب وإهدار أموال التبرعات المليارية التي تصل 57357 بدلا من استكماله والانتهاء منه. ومن ثم فإن الحقيقة الوحيدة التي تربط الأكاديمية “الافتراضية” بالحياة هي وجود مجموعة من الوظائف يحصل المسجلون على اسمها على مبالغ مالية طائلة كلها من أموال التبرعات التي تقتطع من قوت المصريين، وتولت منصب الأمين العام لها الدكتورة هالة زايد وآخرون.المفاجأة فيما يتم إنفاقه على الأكاديمية التي على حدود علمنا لم ترق إلى مجرد كيان، رغم أننا نترك الباب مفتوحا لأى رد على تلك التساؤلات وسوف نشيد بأى عمل إيجابى يتحقق، بعيدا عن تلاسنات الميلشيات والكتائب الإلكترونية التابعة للمستشفى والتي تحصل على مرتبات باهظة من أموال المتبرعين لعلاج المرضى الصغار.