رئيس التحرير
عصام كامل

«30 يونيو» قصة سقوط الإخوان من حسابات الدولة.. تفننت في استفزاز المؤسسات.. تعاملت معها بعداء وعدم احترام منذ يومها الأول بالحكم.. وضعت نفسها في عداء مع الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والمعار

فيتو

ينظر الكثير من جماهير الشعب المصري، والعديد من الباحثين، إلى ثورة 30 يونيو، على أنها بداية النهاية لـ«شعبية» جماعة الإخوان الإرهابية، التي لم تسمع نداء العقل، وحولت الخلاف السياسي حول طبيعة أدائها في السلطة إلى صراع وجود، انتهى بعزلها وتدميرها ذاتيا، ولكن لم يلفت الكثيرون إلى سر انتهاء قصة الإخوان بهذا الشكل المخزي، وهل الجماهير وحدها من قادتها إلى هذا المصير، أم مؤسسات الدولة التي فشلت الإخوان في التعامل معها بامتياز.


الدولة أولا 
على مدار خمس سنوات، وفي كل ذكرى لإسقاط الجماعة، تدور المعالجات جميعها في كيفية التعامل مع آخر مشهد للإخوان في السلطة، ورفضها الاستماع إلى صوت العقل لإجراء انتخابات مبكرة، وإنقاذ البلاد والعباد مما جرى، الذي لا زلت مصر تدفع فاتورته من اقتصادها وأمنها حتى الآن، إلا أن السقوط الحقيقي لمرسي، يمكن القول إنه الفشل الذريع في التعامل مع مؤسسات الدولة، التي رفضت الجماعة بشكلها وهيئتها وأهدافها الغامضة.

 #Behodoo2 - بهدوووء -2-11-2013 - لماذا فشل الإخوان في حكم مصر؟


طوال 85 عاما هو عمر الجماعة، والإخوان تحتفى بشكل مثير للدهشة بصراعها، مع جميع رجال الحكم والأنظمة المختلفة التي تعاقبت على تولى السلطة في البلاد، وهو الأمر الذي خلف حالة من الارتياب وسوء الظن تجاها في مؤسسات الدولة المختلفة، ورغم تحول الجماعة من المعارضة إلى الحكم، إلا أنه كان واضحا أنها لم تستطع فهم خصوصية اللحظة، والفارق بين وجودها في المعارضة بكل أزماتها التاريخية مع الدولة، وما الذي ينبغي فعله عندما تتولى الحكم.

كشف حساب من الإخوان للمعارضة

حتى آخر يوم لمرسي في رئاسة الجمهورية، وبدلا من انشغال الإخوان بعمل كشف حساب لها على ما تقدمه، وما يلوح في الأفق لمصير التظاهرات وحالة الحشد والحشد المضاد، خرجت قناة مصر 25 الراعي الرسمي للجماعة، بحوار مع محمد محسوب، الوزير في حكومة هشام قنديل، ونائب رئيس حزب الوسط السابق، بعمل كشف حساب للمعارضة، في تحريض لا تخطئه الأعين لجماهير الإخوان والإسلاميين ضد المعارضة المصرية.

  
محمد محسوب.. كشف حساب المعارضة خلال عام

تفنن إعلام الإخوان، طوال تواجد الجماعة السلطة على تضخيم نبرة المظلومية، كان يوضح كيف تتعامل الجماعة في الكواليس باستعلاء وجهل سياسي تحسد عليه، وبدلا من إيجاد تفاهم عميق مع الدولة وأجهزة ومؤسساتها على أرضية مصالح المواطنين، وقيم وأهداف ثورة يناير، تفرغ الإخوان لتصوير أنفسهم ضحية لمؤامرات الدولة العميقة والإعلام والقوى السياسية التي ترفض الإسلام وتعمل وفق أجندة استعمارية خارجية.

«عودوا إلى جحوركم». هكذا قال محمد مرسي مساء الجمعة 28 يونيو في خطابه الأخير، كان الخوف يسيطر على الرجل في خطاب رسمي خطير،  بالإهانة التي توجه لمنصب الرئاسة، من أفعال ما أنزل الله بها من سلطان بحسب وصفه؛ توعد مرسي من يوجهون الإهانات إليه وذكر المعارضة والنشطاء بما تنص عليه القوانين العسكرية التي حاول الاحتماء بها في مواجهة القطاعات الغاضبة ضده.

  
 
الرئيس يتوعد مثيرى الفتن عودوا إلى جحوركم سعيكم غير مشكور

لم يترك مرسي في خطابه الأخير، أي مؤسسة إلا وتعامل معها بالتجريح والتشويه على الهواء، حاول الرجل الأول في السلطة تشويه القضاء باستدعاء مشاهد قديمة من خلافات سياسية سابقة على تعيينه في رئاسة الجمهورية، وذكر أحد رجال القضاء بالاسم، واتهمه بتزوير انتخابات في محافظة الشرقية، وهي سابقة لم تحدث في تاريخ البلاد، أن يخرج رئيس يتهم مواطنا من مؤسسة بخطورة القضاء بالفساد وفي خطاب رسمي، المفترض أن يناقش أعنف أزمة سياسية تتعرض لها البلاد منذ حكم محمد على.

الدولة العميقة وجهل الإخوان

حاول مرسي استمالة المصريين عبر تلميع مصطلح الدولة العميقة، باعتبارها هي التي تقف وراء محاولات إزاحته من السلطة، بما أكد بشكل واضح أن مرسي لم يفقه طوال المدة التي قضاها في الحكم، أن الدولة التي يساهم في إرباكها ومحاصرتها بالشائعات، كانت طوال ما بعد 25 يناير مهددة بالسقوط، ومحاولات الانتقام منها أو تفكيكها، لا تعني إلا هدم أركان الوطن على رؤوس من فيه.

مرسي يكشف على الهواء فساد وتزوير قاضي التحقيق في قضية أرض الطيارين

لم يكن مرسي استثناء، بل كان ضمن الحالة الإخوانية التي لم تنفصل عن جهل تيار الإسلام السياسي بكيفية التعامل مع مؤسسات الدولة، ولا يمكن الاستناد إلى الخمس سنوات السابقة على عزل مرسي لفهم ذلك، بل قبل اندلاع الثورة بـ 10 أيام؛ كانت الجماعة تعد بروفات لاعتصام رابعة العدوية، عبر تجهيز منابر العنف وأئمة التطرف الذين حضروا مايسمى بـ"مليونية للا العنف"، التي اتخذت مسارا لا علاقة له باسمها.

خرج محمد الصغير وعاصم عبد الماجد، وأئمة التطرف من التيار السلفي الذي تحالف مع الإخوان، وكان أهم المحرضين لهم على معاداة الجميع، تفنن الإسلاميين في إهانة الدولة ومؤسساتها، وضرب مصداقية أي طرف يعارضهم، هددت منصة لا للعنف وزارة الداخلية برجال مرسي، حسبما اسماهم محمد الصغير، مستشار وزير الأوقاف السابق، وأحد متطرفي حزب الأصالة السلفي الموالي للجماعة.

محاربة الداخلية والدستورية والإعلام

ومن الداخلية مرورا بالمحكمة الدستورية، التي نشروا ميزانيتها وحرضوا عليها، لم يسلم الإعلام بل ناله الكثير من الشتائم بواسطة محمد الصغير ومن هم على شاكلته، وبلغتهم المعهودة التي تناسب ثقافتهم، اعتبروا الإعلام المدني على رأس المطلوب دهسهم، وتناوبوا على محاولات هدمه، بداية من التشكيك في نزاهة العاملين به والطعن في شرفهم الشخصي وعائلاتهم، نهاية باعتبارهم «ملبوسين بالجن والعفاريت»، بحسب محمد الصغير.


الشيخ محمد الصغير.. فيه إعلاميين راكبهم جن عاوزينهم يسمعوا التكبير يمكن يمشي وفيه إعلامية راكبها إبل

في بحث مميز للدكتور عمرو الشوبكي، بمعهد كارينجي للسلام، يذكر الأسانيد العلمية، ويكشف عن الآليات التي كان يجب اتباعها من جماعة راديكالية مثل الإخوان لتأمين نظام حكمها، ولاسيما أنها جاءت بالأساس من خارج المنظومة السياسية السائدة.

يقول الشوبكي: كان يجب أن تتبنى خطابًا مطمئنًا وإصلاحيًا، وألا تبدو لبقية القوى في المجتمع أنها جاءت لتسيطر على الحياة السياسية أو تحتكرها، وأنها لن تضع الدستور والقوانين الأساسية بمفردها، حتى لا تضع نفسها في عداء مع الجيش والشرطة والقضاء.

ويضيف: دخلت الإخوان في معارك مفتوحة مع السلطة القضائية ذات التقاليد العريقة، لا بغرض إصلاحها بل بغرض الهيمنة عليها، ويستكمل: الجماعة أعدَت وحلفاؤها قانونًا للسلطة القضائية يقضي بعزل 3500 قاضي بعد خفض سنّ الإحالة إلى التقاعد من 70 إلى 60 عامًا، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة من جانب غالبية القضاة.

ويتابع الخببير السياسي: الدولة المصرية ليست أيديولوجية، فلا يمكن وصف الجيش المصري بأنه حامي العلمانية كنظيره التركي، بل هو جيش يشبه المجتمع في محافظته وتدينه ومدنيته أيضًا، كما أن هذه الدولة لم تعرف حتى في عهد عبد الناصر أي توجهات عقائدية، لذلك رفضت التعامل مع جماعة عقائدية مغلقة استفزت الدولة والمجتمع وأثارت حفيظتهما منذ اليوم الأول لوصولها إلى الحكم.

ويرصد الشوبكي شكاوى عشرات العاملين في الوزارات التي قادها الإخوان، عن الحلقة الضيقة التي يحكم من خلالها هؤلاء المسئولون، يقول: كانوا يجتمعون في مابينهم عبر جلسات خاصة، يهمس فيها الوزير الإخواني مع مستشاريه الإخوان، كما اعتادوا أن يفعلوا أثناء وجودهم في المعارضة، من دون أن يعلم الموظفون الآخرون شيئًا عن اجتماعهم الذي انتقل من الأماكن السرية للتنظيم إلى داخل الوزارة والمؤسسات الحكومية.

ويؤكد الخبير السياسي، أن الجماعة أصرت بعد وصولها إلى السلطة على أن تبقى سرية، ورفضت أن تقنن وضعها وتصبح جماعة شرعية، وفق قوانين الدولة التي تحكمها، الأمر الذي عمَق الإحساس بأنها جماعة سرية تحكم البلاد من وراء الستار، ولديها خطط شريرة لهدم الدولة والبقاء في السلطة إلى الأبد، موضحا أن الإخوان أهدرت فرصة التطبيع مع الدولة والمجتمع وهي في الحكم، بعد أن فشلت وهي في المعارضة، سواء في نهاية العهد الملكي، والمرة الثانية في عهد عبد الناصر.

ويختتم الشوبكي: الجماعة أضاعت على مصر فرصة حقيقة لإنجاز تحول ديمقراطي، وسارت عكس الطريق الذي كان يجب أن تسير فيه بعد وصولها إلى السلطة، وأخذت البلاد كلها نحو الهاوية


الجريدة الرسمية