أسرار مافيا التنقيب عن الآثار في «وادي الجن» بقنا.. كشفتها مغامرة مثيرة لـ«فيتو» بجبل الأصيل.. ناهبو القبور يستولون على كنوز الفراعنة.. وأساليب خاصة لفتح «السراديب»
على الرغم من كثرة الجبال في محافظة قنا، وتحول بعضها إلى أوكار تأوي الخارجين على القانون ومحترفى تهريب الأسلحة والمخدرات وغيرهم من العصابات الإجرامية، فإن جبل “الأصيل” الواقع في شمال المحافظة، يظل هو الأكثر غموضًا، ومصدرا للرعب والفزع لدى أهالي المناطق القريبة منه، بسبب حكايات الجن والعفاريت التي تناقلتها الأجيال منذ زمن بعيد، لدرجة أن البعض أطلق عليه اسم “مملكة الجان”.. “فيتو” قررت اقتحام الجبل، وبالطبع كان لا بد من البحث عن دليل من الأهالي يرافقنا في مغامرتنا المحفوفة بالمخاطر، وبالطبع لم يكن العثور على هذا الدليل أمرا سهلا، فالجميع يرفض دخول الجبل خوفًا من “العفاريت” التي تسكنه وتحرس المقابر الفرعونية الموجودة بداخله، وأيضا يخشى أن يقع في قبضة “نابشى القبور” وناهبى الآثار الموجودين بالجبل.. وافق أحد الأهالي على مرافقتنا، خضنا في دروب جبل “الأصيل” ومغاراته، مغامرة مثيرة نرصد تفاصيلها في السطور التالية:
مملكة الجان
في الطريق إلى “مملكة الجان” بجبل الأصيل مررنا بمنطقة صحراوية واسعة بها عدد من المنازل والأراضى المستصلحة، وعنها قال مرافقنا: “هذه المنطقة هي بداية مملكة وادى الجن، وهناك أقاويل عديدة تؤكد أنها سميت بهذا الاسم نظرا لأن قبائل من الجن والعفاريت كانت تعيش فيها مع البشر ويظهرون لهم ومن بينهم الجنى “شنهور” الذي يعد من ملوك الجان، وظلوا كذلك لقرون طويلة، وكانت مهمة الجن هي حراسة المقابر الملكية للفراعنة وحمايتها من اللصوص ونابشى القبور”.. أمام هذا الكلام الغريب سألناه عن مدى تصديق الناس لهذه الخرافات فأجاب جازما: “الناس في هذه المنطقة لا يعتبرون وجود الجن خرافات، بل حقائق مؤكدة لا جدال فيها، ودللوا على ذلك بروايات عديدة من بينها أن الجن كانوا يتجولون في الشوارع والأسواق بحرية تامة وتعايشوا مع البشر، وكانت هناك علامات تميزهم مثل عدم وضع العمامة على رءوسهم وحمل الأشياء بشكل مقلوب، فضلا عن ارتداء ملابس غريبة.. وكان من الصعب جدا إقناع الناس بغير ذلك نظرا لانخفاض مستوى التعليم في أوقات سابقة، كما لم يقدم أي باحث معلومات أو دراسات تنفى وجود العفاريت”.
جبل الأصيل
“وصلنا إلى جبل الأصيل”.. هكذا قطع مرافقنا حديثه عن مملكة الجن واستطرد: “هذا الجبل يختلف عن غيره من الجبال الواقعة في شمال محافظة قنا، ويطلق الأهالي عليه اسم “الكنز المدفون”، نظرا لكثرة المقابر الفرعونية به والتي تحوى بين جنباتها كنوزا من التماثيل الأثرية سواء الذهبية أو الحجرية، الأمر الذي جعله مقصدا لمافيا الآثار والمنقبين غير الشرعيين عنها، وهؤلاء اتخذوا من المغارات والكهوف الموجودة بالجبل أماكن إقامة دائمة لهم، ويستخدمون مختلف أنواع الأسلحة للتصدى لأى شخص يحاول الاقتراب منهم أو يسعى إلى التنقيب عن الآثار دون التنسيق معهم”.. سألناه عن الطرق التي يلجئون إليها لفتح المقابر الفرعونية القديمة فقال: “هم يعتمدون على طرق غريبة مثل الاستعانة بدجالين وعرافين يقومون بطقوس معينة، وأحيانا يقدمون قرابين مثل ذبح حيوان معين، وقيل إنهم في بعض الحالات يختطفون أطفالا صغارا ويقدمونهم قربانا للجن الحارس للمقبرة حسب اعتقادهم لاستخراج الكنوز المدفونة في بطن الجبل.. كما توجد علامات أخرى يعتمد عليها ناهبو المقابر لتحديد أماكنها على وجه الدقة، فمثلا في بعض المناطق تسقط أشعة الشمس على بقعة معينة، فيتغير لونها إلى الأصفر الذهبي، وهذا من وجهة نظرهم دليل على وجود مقبرة بها كنوز ذهبية.. أيضا هناك “الدلال” أو الكشاف وهو رجل على دراية واسعة بالمنطقة ويعلم تاريخها جيدا، وله القدرة على تحديد أماكن المقابر، كما أنه يساهم بشكل كبير في الحفر حتى الوصول إلى الكنوز المدفونة، وهو قادر على تقييم ما يتم العثور عليه من آثار وهل هي أصلية أم مزيفة، ويحصل على مبالغ مالية كبيرة نظير عمله.. أما الأدوات المستخدمة فهى أدوات بدائية حتى لا تلفت الأنظار وعادة ما يتم التنقيب عن الآثار ليلا، وفى الصباح يتم إخفاء آثار الحفر، ثم يكملون العمل في الليلة التالية”.. وعند اكتمال الحفر وظهور مدخل المقبرة أو السرداب كما يقولون، فإنهم لا يدخلون إليها مباشرة خوفا من وجود ثعابين سامة أو أي شيء يهدد حياتهم، لذلك فإنهم يشعلون قطعا من “الخيش” ويلقونها في مدخل المقبرة لإبعاد أي خطر.
صمت مرافقنا قليلا وأضاف: “هذا الجبل مقسم إلى مناطق نفوذ، كل مجموعة لها مساحة محددة تنقب فيها ولا يجوز لأى مجموعة أن تتخطى حدودها، وإلا وقعت اشتباكات مسلحة يسقط فيها عشرات القتلى والجرحى، ويقال إن تجار وناهبى الآثار هم من أطلقوا شائعات وحكايات الجن والعفاريت في المنطقة، حتى لا يقترب أحد منهم ويكشف أمرهم”.. واصلنا رحلتنا داخل الجبل وقررنا الصعود إلى مناطق مرتفعة منه حيث توجد فتحات لكهوف ومغارات، وأمام أحد هذه الكهوف توقف مرافقنا رافضا السير لأبعد من ذلك وأشار إلى الكهف وقال: “هذا الكهف يقود إلى مقبرة فرعونية، استطاع المنقبون عن الآثار الوصول إليها والاستيلاء على ما بها من كنوز أثرية، وغالبا فإنه تحول إلى مأوى للذئاب والخفافيش والثعابين خصوصا ثعبان الكوبرا شديد السمية، ومعظم تلك الكهوف ذات امتداد عميق وسط الجبل يصل إلى أكثر من 50 مترا”.. وأشار مرافقنا إلى أنه يعرف أحد الدلالين وسأله ذات مرة عن طبيعة عمله في جبل الأصيل ومنطقة وادى الجن، فأكد له أنه يلجأ إلى تلاوة آيات من القرآن الكريم لفتح مقبرة معينة، ولكن هناك من يستعين بالجن السفلى ويقومون بطقوس خاصة يقدمون خلالها القرابين ويطلقون البخور وأنه شارك في العديد من عمليات التنقيب عن المقابر الأثرية بعضها نجح والبعض الآخر فشل، وقد حقق المنقبون ثروات طائلة نتيجة استخراج الآثار المدفونة وبيعها بمبالغ خيالية.
"نقلا عن العدد الورقي..."