حفيدة المرسي أبو العباس ضحية والدها.. إلى دار الخُلد يا «جنة» (صور)
مقطع فيديو لا تتجاوز مدته الدقيقة.. تُزينه طفلة بريئة لم تتخط سنوات عمرها الأربع.. تصرخ باكية كمن في مثل سنها أثناء تصوير والدها لها غير مبالٍ بغضبها.. فتلك اللحظات القصيرة كما اعتدنا أن نراها هي «ذكرياتنا الحلوة» التي تحيا معنا وتُلهمنا الصبر حين يُغَيِّب الموت أحبابنا.. هي زادنا الذي يرسم البسمة على شفاهنا وينير مُحَيّانا سلوانًا على خروج الأحِبَة إلى غير عودة.
لم يكن يدر بخُلد صلاح المرسي أبو العباس، نجل الفنان المسرحي الراحل، أن يده التي وثقت ذلك الفيديو قبل 10 سنوات، ستكون هي ذاتها التي تُطبِق على عُنق فلذة كبده دون رحمة أو شفقة حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة، فكانت «جنة» وشقيقتها الصغرى «حبيبة» ووالدتهما «هبة» ضحايا غدر رب الأسرة، في جريمة أرقت مضاجع سكان شارع العشرين في حي بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة مساء الثلاثاء 19 يونيو الجاري.
هي نجلته الكبرى وأولى ثمار زواج دام 16 عاما.. ثوانٍ عابرة تروي قصة أسرة صغيرة تبدل حالها من الفرح إلى الحزن.. ضحكات متبادلة بين الوالدين وأجواء من السعادة غلفت المشهد في الفيديو.. «جنة» تصرخ وتهرول في أنحاء الغرفة هربا من عدسة والدها التي ترصدها «هعمل معاكي لقاء».. والدتها تتداخل محاولة تهدئتها: «نشرب اللبن؟.. طب أحكيلك حدوتة؟».. لا تُلقي الطفلة بالا لمحاولات والديها المضنية مواصلة صراخها: «عايزة أنام».. 10 أعوام بالتمام والكمال مرت منذ تلك اللحظات.. اليوم والآن تخلد «جنة» في النوم إلى الأبد.
دائما ما اعتبرت «جنة» والدها «بطلها الأوحد».. ذكرت ذلك كثيرا لصديقاتها وأقاربها.. تغَنت بطيبته وحنانه أمام القاصي والداني.. تباهت به أمام مدرسيها في كل مناسبة «بابا علمني كده».. كانت تراه مثالا يُحتذى به في صورة الرجل الذي قلما يُخطئ.. فهو والدها وصديقها الذي يلعب ويضحك معها حين تضيق الدنيا بها.. يمازحها في تعليق على "فيس بوك" فترد له الصاع صاعين.. تنشر صورا مشتركة تجمعهما يزينها قلوب وجمل رقيقة تعكس مشاعرها الفطرية تجاه بطلها.. تلك كانت العلاقة الخاصة بينهما.. وهكذا خذلها فأصبح «بطلا من ورق».
«جنة وأهلها كانوا نعم الناس بجد».. جملة قالتها إحدى مدرسات الطفلة المتفوقة غير مصدقة ما آل إليه حال أسرة كان مشهودا لها بالسمعة الطيبة والسيرة العطرة.. فلم يكن يتخيل أشد المتشائمين من الأهل والجيران أن تكون نهاية حفيدتى الفنان الراحل المرسي أبو العباس – الذي اعتاد اصطحابهما في كواليس أعماله - شبيهة بمشاهد السينما والدراما في قسوتها وصدمة تفاصيلها.
اليوم وقد مر قرابة الأسبوع على كشف لغز الجريمة الصادمة بضبط صلاح المرسي واعترافه أمام رجال مباحث الجيزة بقتله أسرته شنقا حتى الموت بسبب تراكم الديون.. لا يزال أقارب الأسرة وأصدقاؤهم في حالة وجوم وذهول.. لم يستطع أحد أن يقبل فرضية قتل «صلاح» لنجلتيه وزوجته.. لسان حالهم ينطق قهرا «إذا كان صلاح قتل عياله يبقى ربنا وحده هو المنتقم».. يرثون زوجته و«أحباب الله» داعين لهن بالمغفرة: رحمة الله عليكِ يا «هبة».. هتوحشينا يا «حبيبة».. إلى دار الخُلد يا «جنة».