الأوامر المنسية من القرآن (10)
ونستمر في استعراض "الأوامر المنسية من القرآن" أو التي تناساها الكثيرون في تراجع الاهتمام بفقه المعاملات، بينما توقف كثير منهم عند أوامر العبادات والشعائر مثل "وأقيموا الصلاة"، و"فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، ونتوقف اليوم عند قوله تعالى "ولا تلمزوا أنفسكم" في الآية رقم "11" من سورة "الحجرات"، وهو الأمر الذي سبقه قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن"..
وتلاها قوله تعالى "ولا تنابزوا بالألقاب"، ومن سياق الآية بل من سياق القرآن الكريم كله يتضح مدى الأهمية التي أولتها التعاليم الربانية للأخلاق وللسلوك القويم وجاءت كلها بفعل الأمر بما لا يقبل تأويلها ولا يسمح بعدم الالتزام بها..
و"لا تلمزوا أنفسكم" تعني لا تطعنوا في بعض لأن اللمز تعني أي تجريح يقوم به شخص ما لشخص آخر بوجوده وفي وجه حتى لو كان بشكل غير مباشر أو غير صريح.. وكان المفترض أن ينهى الله سبحانه عن اللمز ويقول مثلا "ولا تلمزوا غيركم" لكن لأنه كتاب معجز ومن عند رب العالمين، ولأنه كتاب يدعو إلى الفضيلة كما قلنا في مثال الآية السابقة وغيرها عشرات الآيات تدعو إلى مجتمع نقي خال من الآفات الاجتماعية، ومن السرقة والقتل والسب واللعن والظلم والغيبة والنميمة وقول الزور، لذا اعتبره سبحانه مجتمعا للمجتمع الواحد..
الذي إذا أصيب منه شخص واحد بأذى فكأنه أصاب المجتمع كله لذا اعتبر أن من يهين غيره كمن أهان نفسه.. لذا قال "لا تلمزوا أنفسكم"، كما قال في آية أخرى "لا تقتلوا أنفسكم" ومعناها أنه إذا قتلتم غيركم فمن حجم الكارثة أنه كأنكم قتلتم أنفسكم!
وكثيرون في أيامنا يعتبرون إهانة الغير "صراحة" ويعتقدون أنها "جرأة" وبعضهم يتباهى أنه أهان فلان وأنه أحرج فلان وأنه فضح فلان على الملأ، أو في عمله أو بين أهله، وهذا منهي عنه تماما بفعل أمر واضح وصريح ليس فقط لأنه قد يظلم الإنسان غيره، حتى لو صحت الاتهامات الموجهة لغيرنا، إلا أن حجم الكراهية يزيد والأنفس تحمل من بعضها ويبقى ذلك كله تتوارثه أجيال أو يتضاعف مع الزمن، وكلها ليست من سمات مجتمع الفضيلة الذي سعى إليه الإسلام..
بينما شوه كل ذلك نفر من المنتسبين إليه بتقديم الإسلام باعتباره دين العنف والغلظة، وشوهه نفر من رجال الدين لم يهتموا أصلا بفقه المعاملات واهتمت خبهم ودروسهم بالتحذير والنذير من ترك شعائر وتعاليم فقه العبادات فقط.. وللحديث بقية!