رئيس التحرير
عصام كامل

وقائع النكسة الثانية


بعد نكسة 5 يونيو 1967، هب المصريون وانتفضوا رافضين حتى تسمية الأمر باسمه الحقيقي، فجعلوا من الهزيمة أمام الكيان الصهيوني العنصري الغاصب مجرد نكسة أو انتكاسة مؤقتة سيعقبها نصر حتمي، وقد تحقق ذلك فعليا في 6 أكتوبر 73 على يد أبرار مصر من جيشها الباسل، ولكن يأتي نفس الشهر ليشهد هزيمة تافهة في مباراة في كرة القدم بعد مرور ما يزيد على نصف القرن، ليحزن المصريون أو قل الأكثرية منهم والأغلبية على شيء تافه لا يستحق عناء وصفه، بل ويصير التهافت وراء هذا الشيء والبكاء والنحيب على ضياع الفوز مقياسا للوطنية الزائفة التي ابتلينا بها على كبر، والتي لم تعد كذلك عند كل شعوب العالم المتحضر والذي يضع الأمور في نصابها ويجعل لكل شيء قدرا.. ولكن يبدو أن قدر الكرة عندنا أعظم من قدر من يتهافتون وراءها!


مسميات فاسدة
وتأكيدا لروح الانقسام وراء أمر تافه لا يستحق رغم أنه جمعهم وراءه، انقسم السادة مشجعو كرة القدم وراء أسباب الهزيمة، فمنهم من أرجع السبب لسوء اللاعبين، أو لتربحهم من الحدث العالمى وانسياقهم وراء أموال الفضائيات المغرية، والبعض اللآخر أكد أن السبب في ذلك هو الفساد الإداري في أروقة اتحاد كرة القدم المصري وغياب العدل في انتقاء اللاعبين.. وكأن العدل غائب فقط في كرة القدم! وهناك مجموعات كثيرة أرجعت ذلك لغضب ربنا علينا بسبب الراقصات والفنانات الذين تم إرسالهم لتشجيع الفريق!

وفي الواقع، يمكن أن يكون كل ذلك صحيحا، ولكن يجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها الصحيحة والحقيقية، ونضبط المصطلحات، فنقول إن منظومة الكرة عندنا فاسدة بكثير من اليقين، فعندما يحصل أقل لاعب كرة في دوري ضعيف مهلهل كالدوري المصري، على أكثر من إجمالي دخل عمال مصنع أو هيئة تدريس مدرسية أو جامعية في عام، فالأمر لا يتطلب توصيفا آخر غير الفساد مضافا إليه التفاهة وركل أولويات الحياة بعيدا حتى يتاح للاعب ركل الكرة!

وعندما يكون عندنا لاعب في منتخب بلاده يقوم بفعل لا أخلاقي أما الكاميرات ويعاقب عليه القانون، ولا يحدث شيء ونسمى قلة أدبه بمصطلح جديد (النكز)، تكن هزيمة أمثال هؤلاء المتفلتين أخلاقيا حتمية وضرورية بل وأخلاقية أيضا.. وعندما تقوم شركات وطنية بإنفاق الملايين الكثيرة على سفر أثرياء القوم من الإعلاميين والفنانين الأثرياء وهناك شعب يطالبه نفس الأشخاص بالصبر على الغلاء الفاحش تكن الهزيمة ذات أبعاد كثيرة لكنها بكل تأكيد متوقعة ومستحقة!

المنهزم الحقيقي
كل ما سبق يوضح بعضا من أسباب الهزيمة، لكن الأهم في كل هذا هو أن من بكى على الهزيمة من عموم المصريين، مهزوم طوال حياته ولا يبكى على نفسه ولكن يبكى على سفاسف الأمور.. فمن يرى أجره يعادل 50 أو 60 دولارا شهريا ويبكى على منتخب يحصل فيه لاعب على 5 آلاف دولار مقابل التصوير لدقائق معدودات، إنسان منهزم وشقي وتافه، ولا يستحق الشفقة، ومن يرى تعليمه خارج التصنيف العالمى وليس خارج تصنيف الـ«فيفا»..

لا بد له أن يستشعر حرجا بالغا وينشغل بمستقبله ومستقبل بلاده وأبنائه خاصة بعد كارثة ما يسميه بالثانوية التراكمية التي لم تشغل بالهم مثلما شغله هدف في مباراة بائسة، ومن يمرض فلا يستطيع شراء دوائه ويجد أفخم المشافي والمصحات تحت أمر أي لاعب إذا تدلل وقال ( آه ) يا إصبعى وربما يسافر للخارج لمداواته جسديا ونفسيا يا ولداه.. من يبكى من أجل هؤلاء المحظوظين المرفهين المستفزين كائن مريض نفسيا ولا يرجى شفاؤه!

ونختم المقال بدعابة ربما تكون ثقيلة بعض الشيء لكنه حصلت والله يا خواجه.. هناك بعض أدعياء الثقافة وأعداء أي شيء يذكرهم بالدين، جعل من هزيمة المنتخب في مباراة لكرة القدم أمام السعودية، هزيمة للأمة والحضارة المصرية النيلية الزراعية الفرعونية أمام الهجمات الرعوية الوهابية التي جلبت لهم الحجاب والنقاب يا ولداه.. مباراة كرة قدم لفرقين منهزمين من كل الفرق وودعا البطولة من أول يومين يتم تحميلها كل تلك الأبعاد الضخمة بتهافت وتفاهة ليس لها مثيل في العالم كله.. تخيل هذا مستوى بعض من يصفون أنفسهم بالنخبة.. اللهم لا اعتراض!

Fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية