أغلقوه بالضبة والمفتاح!
مصنع الشماعات في بلدنا لا يتوقف عن الإنتاج.. كل يوم وكل ساعة ينتج أشكالا جديدة ومتميزة من الشماعات، وكل شماعة منها تناسب ما يُعلق عليها، والمصنع لا يعاني من كساد سلعته، لأنها رائجة حتى وإن كانت رديئة الجودة، ولا يشكو من بطالة مقنعة، لأن الجميع فيه يعملون ولو بأقل جهد ممكن، فعمليات التضليل والتلبيس والهروب من المسئولية لا تحتاج مهارة عالية أو كفاءة نادرة، لكنها تحتاج فقط إلى سرعة البحث عن الشماعة المناسبة للفشل الذي نريد طمسه أو التخلص منه!
في كل مرة ننسي -أو ندعي النسيان- أن الفشل هو في التوقف عن البحث في أسبابه، وفي السعي بكل قوة للبحث عن مبرر أو شماعة نعلقه عليها وينتهي الأمر، وننسي أن النجاح هو الاعتراف الصريح أولا بالفشل –لأنه ليس عيبا– ثم البحث في أسبابه وعلاج تلك الأسباب بالمكاشفة والمحاسبة، وعقاب من يستحق العقاب ثم الإصرار على مواصلة الطريق للنجاح.
مقولة (ليس في الإمكان أحسن مما كان) شماعة لتعليق العجز عليها، لأن هناك الكثيرين يصلون إلى النجاح وتحقيق الأهداف ولديهم من (أحسن مما كان) الكثير والكثير.
نماذج إهدار الفرص والمال والوقت والجهد لا تحصي في بلدنا، وأعتقد جازما أنها لا تمر علينا مرور الكرام، لأننا نراها بأم أعيننا ولا نحرك ساكنا، ويراها كل صاحب قرار في هذا الوطن المثخن بالجراح، والمثقل بالآلام والآمال، ومع ذلك لا يحدث شيء يُوقف هذا الفساد، وهذا الإهدار المستمر إلا عندما يطفح الكيل، ويتحول الإهدار إلى فضيحة لا يمكن السكوت عليها أو طمسها، وتنتشر رائحة الفساد فلا نستطيع معه التنفس!
غلق مصنع الشماعات بالضبة والمفتاح، سوف يقطع الطريق على هؤلاء الذين يجيدون هذه الوظيفة التي تحولت إلى احتراف، يحصلون منها على منافع كثيرة، وسوف يكشف كل الذين يتورطون بقصد أو بدون قصد في عمليات التضليل والتلبيس على الناس، وسوف يضيء الطريق، فتبدو كل المواقف والتصرفات واضحة للعيان وقابلة للمحاسبة.
الهزيمة التي طالت منتخبنا القومي الذي يمثل مصر في روسيا 2018، والهزيمة المذلة أمام منتخب السعودية يمكن أن تحدث لأي منتخب في المونديال، وربما لمنتخبات أقوي وأكثر مشاركة في كأس العالم، لكن بدلا من أن نقف لنفهم لماذا حدث ما حدث بهذا الشكل؟
وبدلا من أن نعترف بالفشل كمسئولين، ونحدد أسبابه الحقيقية حتى يمكن تجنبها في المستقبل -إذا هيأ الله لنا من أمرنا رشدا ولم ننتظر عقدين أو ثلاثة– ذهب الكثيرون للبحث عن شماعات يعلقون عليها الفشل والهزيمة، ويتسترون على كلام لو صح لاستوجب المحاسبة والعقاب الشديد، بدءا من معسكر المنتخب في جروزني إلى الفوضى التي حدثت في فندق الإقامة، بما يخالف التقاليد المتعارف عليها، مرورا بتفاصيل كثيرة حكمتها الأهواء وتصفية الحسابات بين إدارة الاتحاد واللاعبين والجهاز الفني، وتم تداول أسماء بعينها هددت بكشف المستور وإعلان الفساد لتصل إلى ما تريد من مكاسب شخصية.
لكن أغرب الشماعات هي تلك التي حمَّلت الجمهور المصري مسئولية الهزيمة، وأنه وراء انهيار الفريق وخسارته.. ذلك الجمهور الذي سعي وراء بلده ورفع العلم المصري متحملا عبء الرحلة وتكاليفها، ومتحملا عبء الحالة النفسية، وهو يري منتخب بلده وقد ضربته الهزيمة والفوضى التي طالت كل شيء، في هذه المشاركة التي تحولت إلى كابوس، استغله الكارهون لهذا الوطن لتصفية حساباتهم معه بكل خسة ووضاعة!
ودعونا نتذكر عدد الشماعات التي علقنا عليها فشلنا في مناسبات عديدة، ولعلنا لم ننس ذلك الصفر الكبير في تنظيم المونديال، الذي حصلنا عليه من قبل، ومر مرور الكرام بلا حساب أو عقاب، ولا حتى مجرد عتاب!
أغلقوا مصنع الشماعات، وتوقفوا عن تقديم المبررات، وتذكروا الكلمات التي تقول (يا بخت من بكاني وبكي عليا، ولا ضحكني وضحك الناس عليا).. يرحمكم الله