رئيس التحرير
عصام كامل

هل ترنحت الآلة الإعلامية لداعش؟!.. دراسة جديدة لمرصد الأزهر... المركز يقدم قراءة تحليلية للمنظومة الإعلامية للإرهابيين.. ويؤكد: التنظيم اعتمد إستراتيجية لترويج أفكاره.. ويفند أسباب انهيارها

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

لماذا كل هذا الاهتمام بتنظيم داعش؟ وما الفائدة من كثرة الدراسات التي تتناول هذا التنظيم خاصة أنه مُني بهزيمة فادحة في سوريا والعراق أفقدته 98% من الأراضي التي كان يُسيطر عليها؟ وكيف نجح هذا التنظيم الإرهابي في استقطاب الآلاف المقاتلين في وقتٍ قياسي؟ ولماذا يبقى الخطر الداعشي رافضًا أن يزول رغم تكاتف الدول لقتاله والقضاء عليه؟ والأهم كيف أقنع داعش العالم أنه دولة قائمة بذاتها متجاوزًا بهذا إستراتيجية أقرانه من التنظيمات والجماعات الإرهابية التي تعتمد على العمل في الخفاء أكثر من العلن؟ وما دور الإعلام في تنامي هذا التنظيم الأكثر وحشية على مدار التاريخ؟



أسئلة كثيرة، عمل الباحثون بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، على مدار شهور للإجابة عليها، ووثقت نتائج هذا العمل البحثي في دراسة من جزئين، تضمنت حلًا لهذه الألغاز، وإجابة على تلك التساؤلات، واختير لها عنوان: «هل ترنحت الآلة الإعلامية لداعش؟!»، وجاء تركيز الدراسة على الآلة الإعلامية الداعشية لتكون مفتاحًا للوصول إلى إجابات الأسئلة التي طرحناها في المقدمة من جانب، ومن جانب آخر لما تمثله هذه الآلة من أهمية أسهمت بشكل كبير في انتشار التنظيم وتضاعف أعداد المنضمين إليه، ومن يقرأ كلمات زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي التي قال فيها: «إن الجهاد الإعلامي هو نصف الجهاد»، يُدرك أن داعش ركز منذ بداية ظهوره - حتى يومنا هذا - على الإعلام، واتخذه طريقًا لتحقيق مأربه غير المشروعة، خاصة في الفترة التي تلت سقوطه في العراق وسوريا.


داعش والإعلام

في البداية يجب التأكيد على أن تنظيم داعش محل الدراسة ليس إطارا مؤسسيا أو نظام حكم، إنما هو نموذج لظاهرة أيديولوجية واقعية كانت موجودة قبل قرون، هذه الظاهرة تمثلت في «الخوارج»، وما تركوه من فكر منحرف ورثه الدواعش وأخواتهم، ولذلك لا يمكن الاحتفال بهزيمة هذا التنظيم قبل اقتلاع جذوره وتجفيف منابعه الفكرية.

وقدم مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، من خلال هذه الدراسة قراءة تحليلية حول منظومة داعش الإعلامية التي مرت بمراحل مختلفة من القوة والضعف والتراجع، تسبب فيه فقدان التنظيم عدد كبير من موارده ومعظم الأراضي الواقعة تحت سيطرته حيث تم توجيه عدد من الضربات العسكرية له في عامي 2016 و2017، حتى تسطير هذه الدراسة، مما أدى إلى انخفاض تدريجي كبير في كمية ونوعية منتجه الإعلامي، الأمر الذي أثّر على آلة داعش الإعلامية كمًا وكيفًا.

وأشار المرصد إلى أن بداية العمل البحثي في هذه الدراسة، كان منصبًا على ضرورة معرفة العلاقة بين داعش والإعلام، ومدى تأثير الأخير في إقناع آلاف المقاتلين بالانضمام إلى هذا التنظيم الدموي، وما نقصده بالإعلام هنا هو تلك الترسانة الإعلامية الضخمة والمنظمة التي فوجئ العالم أن الدواعش يمتلكونها.

الجذب والإرهاب

وأوضح المرصد أن إستراتيجية داعش الإعلامية، ارتكزت في المقام الأول على الترويج عن أفكاره وإقناع الناس بها والدفاع عن سمعته، إضافة إلى خلق صورة ذات تأثير مزدوج قادرة على الجذب والإرهاب في الوقت ذاته، وقد وجدنا أن المستهدف الأول لـ«آلة داعش الإعلامية» هم الشباب، الذي يسعى التنظيم إلى استقطابه وضمه إلى صفوفه القتالية، بجانب جذب مزيد من الأتباع، أما المستهدف الثاني فهم عامة الجمهور ممن يهدف التنظيم إلى إثارة شعور واسع النطاق بالخوف وانعدام الأمن لديهم، فهذا دون شك يصب في مصلحة الدواعش أيضًا.


وتابع المرصد: أن هذا السؤال المهم هنا: هل ما زالت الآلة الإعلامية الداعشية قادرة على التأثير مثلما كانت تفعل قبل سقوط التنظيم وفقدانه 98% من الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق؟ والإجابة بالتأكيد لأ؛ فقد ترنحت الشبكة الإعلامية الداعشية، وطرأت على المحتوى الذي تنشره عدد من المتغيرات؛ والمؤشرات التالية تؤكد صحة ما ذهبنا إليه:

1 - انخفاض كبير في حجم المحتوى الداعشي المنشور، إضافة إلى رداءة جودته - خاصة في جودة الفيديوهات والصور.

2 - غلبة النغمة الدفاعية على الإصدارات الأخيرة.

3 - تأخر التنظيم في إصدار البيانات التي يتبنى فيها مسئوليته عن الهجمات التي يُنفذها.

4 - المبالغة في الأسلوب وعدم الدقة في عرض المعلومة، مثلما كان يحدث في الماضي.

5 - سقطات في الترجمة؛ خاصة في الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية.

وأنه كما تؤكد المؤشرات السابقة، ترنح آلة داعش الإعلامية؛ فهي تؤكد أيضًا أن التنظيم مستمر في توجيه دعوات الانضمام إليه، وأن لديه من الصبر والثبات ما جعله صامدًا حتى الآن في مواجهة الصعوبات التي يلاقيها ما تبقى من عناصره الإرهابية في العراق وسوريا.

نتائج الحملات العسكرية

ولا شك أن الحملات العسكرية المكثفة، التي شنها التحالف الدولي ضد التنظيم، كان لها نتائج إيجابية في تقويض الآلة الإعلامية الداعشية، والحد بشكل كبير من خطرها، ونذكر من هذه النتائج ما يلي:

أولًا: فقدان داعش الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وهو ما أدى إلى انخفاض الوجود الإعلامي للتنظيم، وتغير رسالته الترويجية وفقًا للمتغيرات التي طرأت في المدن التي يسيطر عليها.

ثانيًا: مقتل العديد من قيادات داعش - إما في هجمات مستهدفة أو في قتال - التي شغلت مناصب رئيسية في ترسانته الإعلامية؛ فقد أدت الهجمات التي شنتها قوات التحالف الدولي إلى مقتل كبار الشخصيات الإعلامية في تنظيم داعش، وأكدت العديد من الدراسات أن القضاء على هذه الشخصيات كان ضربة قاسمة للترسانة الإعلامية الداعشية؛ كما أن التنظيم فشل حتى الآن في العثور على شخصيات يمكن أن تحل محل تلك القيادات التي قُضى عليها، إضافة إلى صعوبة وصول شخصيات مؤهلة من الخارج بعد التشديدات الأمنية على الحدود السورية التركية، وهو الأمر الذي تقلصت معه وبشكل كبير أعداد الخبراء الإعلاميين المنضمين لداعش في سوريا والعراق.

الصعوبات المالية

وإضافة إلى ما سبق ذكره؛ فإن من النتائج الإيجابية التي حققتها الحملات العسكرية المكثفة، التي شنها التحالف الدولي ضد التنظيم، أسهمت في تقويض الآلة الإعلامية الداعشية، والحد بشكل كبير من خطرها:

ثالثًا: الصعوبات المالية التي أثرت أيضًا على الترسانة الإعلامية الداعشية، بعد استهداف المصادر الاقتصادية للتنظيم، ونخص منها بالذكر أماكن إنتاج وبيع المنتجات النفطية.

رابعًا: المكافحة الإلكترونية التي شنتها إدارات مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب»؛ إضافة إلى هجمات القرصنة الإلكترونية لمواقع داعش التي أدت إلى انخفاض استخدام التنظيم بشكل كبير لمواقع التواصل الاجتماعي، مما ساعد بشكل فعال في ترنح الآلة الإعلامية للتنظيم؛ ففي أوائل العام 2016 أبلغت شركة «تويتر» عن تعليق 125 ألف حساب، معظمها تابع لداعش، وذلك خلال حملة شنتها الشركة بداية من النصف الثاني من العام 2015.

وعقب 6 أشهر من تعليق الحسابات المشار إليها سابقًا؛ علقت «تويتر» 235 ألف حساب آخر، ونستطيع أن نقول إن الشركة علقت في الفترة ما بين يوليو 2015 ويوليو 2016، ما لا يقل عن 360 ألف حساب، وفي 20 يوليو من العام 2017، أعلن «يوتيوب» أنه بدأ استخدام تقنية «Jigsaw» التي تعمل ضد التطرف والعنف والمضايقات عبر الإنترنت، والهجمات ضد حرية التعبير وغير ذلك، وتسمى هذه التقنية بـ«طريقة إعادة التوجيه» حيث تقوم على توجيه أي شخص يبحث عن مقاطع فيديو ذات محتوى متطرف إلى مقاطع الفيديو التي تواجه المتطرفين ولديها رسالة مضادة؛ فعندما يبحث أحد الأشخاص على «يوتيوب» عن كلمات رئيسية معينة، يُوجه المستخدم إلى قائمة من مقاطع الفيديو التي تتضمن محتوى يعارض التطرف.

خامسًا: اضطرار الشخصيات الإعلامية الداعشية التي نجت من القتال إلى الفرار، والتخفي عن طريق تغيير أماكن وجودها، أو اللجوء إلى الاختباء في أماكن منعزلة تنعدم فيها وسائل الاتصال، وهو أمر يختلف عما كانوا يتمتعون به سابقًا عندما كانت تتوفر لديهم وسائل ووسائط عمل دائمة من أجهزة ومعدات حديثة، بالإضافة إلى مصورين يعملون في مناطق الأحداث، وبالتالي لم يكونوا مجبرين على افتعال الصورة على الأرض بل كانوا يأخذون صورًا حية، كل هذا تسبب في ضعف البنية التحتية للترسانة الإعلامية.

سادسًا: أدى ضعف دور الإعلام الداعشي، إلى انخفاض كمية ونوعية المنشورات التي يروجها التنظيم؛ فبحسب تقرير صادر عن المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي في العام 2017، للكاتب تشارلي وينتون؛ فإن تنظيم داعش أنتج في سبتمبر 2017 ثلث ما أنتجه في أغسطس 2015.

سابعًا: تركيز الرسائل الدعائية لتنظيم داعش على الخارج في محاولة لتخفيف الضغط على عناصره في سوريا والعراق.
الجريدة الرسمية