رئيس التحرير
عصام كامل

"بشار" الاستراتيجى و"برجماتية " حزب الله


التصريحات الأخيرة للرئيس السورى بشار الأسد ومثلها للسيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله تشير إلى أن الملك "بشار" قرر حتى يبقى ملكا على سوريا أن يستخدم حزب الله للقتال نيابة عنه.


فالتصريحات التى أطلقها الرئيس السورى ونقلتها وكالة الأنباء الفرنسية وجريدة "الأخبار" اللبنانية تقول إن "بشار" قرر فتح باب المقاومة فى بلاده وتحويل "سوريا كلها" إلى دولة مقاومة، واستطرد الرئيس السورى قائلا إن سوريا كانت قادرة بسهولة على أن ترضى شعبها وتنفس احتقانه واحتقان حلفائها وتشفى غليلها بإطلاق بضعة صواريخ على إسرائيل، وأن بإطلاقه صواريخ على إسرائيل "نكون قد انتقمنا تكتيكيا. أما نحن، فنريد انتقاما استراتيجيا".

من يقرأ تصريح الرئيس السورى يستنتج بسهولة أن "بشار المقاوم" لن يحارب إسرائيل لأنه مشغول بمقاومة شعبه، ولا نعرف أين "سوريا المقاومة" التى يتحدث عنها وقطاع كبير من السوريين مشغولون بمقاومة نظامه، لكن عندما يغيّب أنصار ومؤيدو نظام الأسد عقولهم ويمنحون "الملك بشار" قلوبهم يمكنهم تصديق بل والإيمان بما قاله بشار من أن، والكلام للرئيس السورى، "بلاده تدرك أن الإسرائيلى لا يريد حربا، وأن "الوضع الدولى لا يسمح بحرب لا تريدها أصلا إسرائيل ولا أمريكا". فى حين أن الحقيقة الساطعة كالشمس فى سماء دمشق هى أن "إسرائيل اتخذت خطوة حربية واقتحمت العمق السورى وقصفت دمشق ومحيطها، ونصبت صواريخ القبة الحديدية استعدادا للرد السورى، الذى لم يأت ولن يأتى من سوريا. الحقيقة التى لا يحب أن يسمعها مؤيدو بشار أن "إسرائيل قصفت دمشق وأنها على استعداد للحرب".

ولأن الرئيس السورى معروف بالخطابات "الاستراتيجية" التى لا تسمن ولا تغنى فى الحروب، فإن الخطاب الأهم جاء وبشكل متناغم من الأمين العام "لحزب الله" السيد حسن نصرالله ليفسر اللوغاريتمات الاستراتيجية للرئيس بشار الأسد، ويدعو من لبنان إلى فتح باب المقاومة الشعبية فى الجولان التى لم تتحدث سوريا من قبل قصف دمشق عن تحريرها. خطاب السيد حسن نصرالله يؤكد مجددا أن حزب الله انتقل من "التأييد السياسى" لنظام بشار لرد الجميل له على وقوفه بجانب المقاومة فى حرب عام 2006، إلى مساندة قتالية على الأرض، وهو يعنى أن حزب الله سيقاتل فى الجولان نيابة عن سوريا.

لم يكن إعلان السيد حسن نصرالله بأن سوريا ستقدم للمقاومة سلاحا نوعيا وأن المقاومة ستحافظ على هذا السلاح إلا كمن يقول لإسرائيل "تعالوا اضربونا". المتابع لخطابات السيد حسن نصرالله يعرف أنه لا يستفز إسرائيل، لكنه يحذرها بأن المقاومة قادرة على الرد وبشكل قاسٍ عليها إذا ما قامت بأى رد فعل ضد لبنان أو ضد المقاومة فى لبنان، هو دائما ما كان يقول إنه لا يسعى لحرب مع إسرائيل ولكنه جاهز لها، والسيد حسن نصرالله لم يكن يرغب فى جر لبنان لحرب داخلية، فلماذا يجرها لحرب مع إسرائيل فى وقت يعرف فيه السيد حسن نصرالله أن "بشار الأسد" لن يحارب إسرائيل للمحافظة على عرشه.

الغريب فى خطاب السيد حسن نصرالله أنه اعتبر أن خوف بشار الأسد حكمة كبيرة، وأن القيادة السورية تدير المعركة بأعصاب قوية، وهو يعرف أن بشار الأسد فى موقف لا يحسد عليه، فعدم رد "الأسد" بشكل عملى على إسرائيل بعد أن قصفت له دمشق يضعّف موقفه وموقف المقاومة، وقراره الدخول فى حرب مع إسرائيل يهز أركان ملكه والداخل السورى يتمزق، فحزب الله المحاصر من قوى لبنانية تتربص به وتنتظر التخلص منه، دائما ما يعلن أنه إذا ضربت إسرائيل مطار رفيق الحريرى الدولى، فإن حزب الله سيضرب مطار بن جوريون فى تل أبيب، فأين القوة، التى يتحدث عنها السيد حسن نصرالله، فى موقف بشار الأسد وهو "رئيس دولة" تملك ثانى أكبر جيش عربى فى المنطقة، بعد أن تم قصف دمشق.

دفاع حزب الله عن نظام الأسد لا يوازى ولا يساوى دفاعه عن فلسطين، ففصائل المقاومة الفلسطينية (الجهاد الإسلامى وحماس وغيرهما) رفضت تأييد نظام الأسد الذى يقمع شعبه، وهى رغم ذلك قدمت الشكر لإيران حليفة الأسد لمساندتها لها فى حربها ضد إسرائيل.

تأييد حزب الله عسكريا لنظام بشار الأسد يبعده عن فلسطين ويعزز الفكرة القائلة إن حزب الله يدعم نظام الأسد لأن بشار الأسد يمده بالسلاح، وهى نظرية أقرب إلى النفعية أو البرجماتية، ففصائل المقاومة الفلسطينية التى هى أكثر حاجة من حزب الله إلى السلاح السورى، رفضت وترفض تأييد نظام الأسد.

ولو كان الرئيس الأسد حريصا على إرضاء شعبه وإشفاء غليله، كما قال، لوافق على التنحى عن الحكم فى مقابل وقف حمامات الدماء، ولخطب فى السوريين طالبا عدم تسليم سوريا لنظام موال لأمريكا وإسرائيل، حتى يعرف العالم أن الشعب السورى هو الذى اختار محور المقاومة، غير أن بشار الأسد، مثله مثل غيره من الحكام العرب الذين سقطوا، يتحدثون عن إرضاء شعوبهم ومخابراتهم وشرطتهم وزبانيتهم يركلون من يتنفس الحرية بأرجلهم فى الزنازين.

ولأن بشار الأسد رئيس جاهل بقوانين الحياة وحراكها، ولأن الدكتاتور أصم لا يسمع، مبصر ولكنه لا يرى، فهو فى تيه ولا يعلم بأنه "إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر، ولابد لليل أن ينجلى، ولابد للقيد أن ينكسر".

وآخر القول إن من يؤمن ببشار، فإن بشار سيزول، وإن من يؤمن بفلسطين، فإن فلسطين باقية لن تزول، هذا هو وعد الله، بقى نظام الأسد أم رحل.
الجريدة الرسمية