رئيس التحرير
عصام كامل

في الرياضة وفي الحرب.. فينا ثغرة عميقة واسعة


لا أستطيع أن أقول إني كائن كروي، أو صحفي رياضي، فما كتبت يوما في الرياضة إلا سطرا أو سطرين خاطفين تعليقا، كمتذوق، أو متحسس لأفضل مانشيت رياضي للصفحة أو للجرنال، في المباريات الدولية، أما عك الدوري والكأس فليس لدى الوقت ولا الاهتمام ولا آخذ اللاعبين بجدية، أهتم إذن بما يمس مباراياتنا الأفريقية والدولية، وكأي مواطن مصري عربي تابعت مباريات منتخبنا طبعا والمنتخب السعودي ولم أتابع أداء المنتخب المغربي، لكن النتائج عكست الثقافة شبه الواحدة المؤدية رأسا إلى الهزيمة أو تبديد النصر أو إضاعة الثبات والصمود ثم تلقي الطعنة النهائية في الثواني الأخيرة.


نحن نعاني مرضا عتيدا عريقا في أدائنا الاجتماعي، وهذا المفهوم يتسع ليشمل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والفنية كافة، وفي بعض مواجهاتنا العسكرية، إنه مرض الثغرة، نحن نندفع بقوة ونشتعل بقوة وننطفئ فجأة، نحن نتقدم بسرعة وعلى غير المتوقع ثم نَتكعبل في ظلال أقدامنا.

نحن نقود الخصم وهما، إذ هو يقودنا إلى مرمانا ونحسبه مرماه، وهكذا سجل قائد الفريق أحمد فتحي هدفه في مرماه، لو كان تعمد إحرازه ما نجح، لكنه كان يصارع وهمه، وهو في الحقيقة، تاه وضاه بفعل الاندفاع والحماس والرغبة في تشتيت الكرة، أي الأخذ بمفهوم دفع الأذى وليس تحقيق الفوز.

الأوربيون، والغربيون عموما، لا يلعبون لدفع الأذى، بل لإيذاء الغير، في الرياضة أو في الحرب وهذا ما حدث، نحن نسعى لدرء الهزيمة، وهم يسعون لجلب النصر، الطموح التافه إنتاج المقومات التافهة الضعيفة، ما مقوماتنا؟ مدرب مستورد، لاعبون أشتاتا، البنية العقلية والفنية ثمرة المجتمع المصري الحالي بكل تناقضاته وعقده النفسية والسياسية.

شيء آخر متعلق بالتراث والموروث، ثقافتنا هروبية، أنظر إلى الكرة كيف تتراجع من منتصف ملعب الخصم إلى لاعبينا عند خط الوسط فما بعده فما بعده على الجانبين، حتى يتقدم حارس مرمانا، مصري أو عربي، ليلتقطها، ويركلها إلى الفراغ فتسقط مشتتة مثل صواريخ حماس الزلطية أو سكود العراقية أيام صدام!

فينا ثغرة عميقة واسعة، هي الدونية الحضارية، ونحن بكل شجاعة نتباهى بها ونعلنها، ونكرر أننا بحضرة العمالقة، وهذا طبيعي فنحن العرب مستهلكون لا منتجون، ونحن مدعون ولسنا أصليين، كما كان أسلافنا الفراعنة، أو بناة الحضارة العربية الإسلامية، ربما تبني المساندة الإعلامية المحمومة المقترنة بصاجات فيفي عبده وجوقتها، قشرة صلبة تكون درعا على صدور اللاعبين، تمدهم بالثقة، وتحفزهم على حركة في المكان، حركة دائرية غير منتجة لأي هدف، ومع ذلك، فإن هذا الدرع الوقائي المكتسب سرعان ما يذوب مع أول ضربة توحي بالهزيمة.

في هذا الإطار يمكن فهم حالة التداعي التي ضربت المنتخب المصري بعد تسديدة أحمد فتحي خطأ لهدف في مرمى فريقه، وكذلك حالة تداعي الفريق السعودي أمام كاسحات الجليد الروسية.

لا أرى هذا كله من منظور رياضي بحت، وإلا كانت النظرة جزئية، بل أراه مرضا اجتماعيا كليا مرتبطا بتدهورنا التعليمي والعلمي وتراجعنا الحضاري وقَبولنا فكرة الاستهلاك، بدلا من أن نكون منتجين فاعلين في الثورة التكنولوجية الرابعة.

لا تنتظروا نصرا بغير علم وبغير عمل وبغير خطة وبغير مصريين تعلموا فعملوا فخططوا فنفذوا فأضافوا، مصريون أنفقوا المليارات أكلا وكسلا وسهرا وسخطا وتبادل الادعية والتذكير بالثعبان الأقرع، في شهر خصصه الله له وحده، لا تنتظر منهم سوى ركض البائسون الذي رأيناه في ملاعب بطرسبرج وغيرها!
الجريدة الرسمية