هل يعتذر سعد الحريري عن تشكيل الحكومة اللبنانية؟
في الرابع والعشرين من يونيو يمر شهر على تكليف "سعد الحريري" رئيس تيار المستقبل بتشكيل الحكومة. في لبنان هناك فارق بين التكليف بتشكيل الحكومة وبين تشكيلها. فرغم مرور قرابة شهر على تكليف سعد الحريري، لا توجد أية بوادر على تشكيل الحكومة اللبنانية بل إن البعض ذهب إلى أن استمرار تعاطي القوى السياسية في لبنان مع موضوع تشكيل الحكومة ينذر بفشل على مستوى التشكيل وربما انهيار الليرة اللبنانية.
لا يزال البعض متفائلا بتشكيل الحكومة باعتبار أن مرور قرابة الشهر لا يبدو طويلا في التجارب السابقة لتشكيل الحكومة اللبنانية لسعد الحريري أو غيره من رؤساء الوزراء. هناك مجموعة من المشكلات التي تواجه سعد الحريري رئيس الوزراء المُكلف أهمها أن نتيجة الانتخابات البرلمانية هذه المرة وضعت الحريري في مأزق.
المشكلة الأكبر هي أنه كرئيس وزراء مُكلف بالتشكيل لا يقوم بتشكيل الحكومة بل إن صوت القوى السياسية اللبنانية يعلو فوق صوت رئيس الوزراء. فالقوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع تطالب بمضاعفة عدد وزرائها بعد أن تتضاعف عدد نوابها في البرلمان اللبناني كما أن القوات اللبنانية تطالب بوزارة سيادية من وزارات الدفاع، أو الخارجية أو المالية، أو الداخلية.
التيار الشيعي الذي زاد عدد نوابه في البرلمان لا يطالب بزيادة عدد وزرائه لكنهم يتمسكون بوزارة المالية ويضعون فيتو على تولي القوات اللبنانية وزارة الخارجية لأن القوات اللبنانية لا تدعم أنشطة حزب الله. وزير الخارجية الحالي جبران باسيل هو رئيس تكتل لبنان القوى – التيار الوطني الحر سابقًا - حليف حزب الله، وهو يتصرف بشكل منعزل عن الحكومة ويلوم الكثير عليه أنه يتصرف ليس كوزير للخارجية بل كرئيس للجمهورية.
ويخشى حزب الله من وجود وزير من القوات اللبنانية يتحدث عن سيطرة حزب الله على مفاصل الحكومة اللبنانية في الخارج، أو يستنجد بالدول الغربية لمواجهة حزب الله. المعضلة الثالثة التي تواجه سعد الحريري هو تقلص عدد نواب كتلته بعد أن فقد سعد الحريري عشرة مقاعد لمصلحة مستقلين وقوى سنية أخرى، وهو ما يصعب عليه المهمة.
بعض القوى السياسية ترفض وجود أي حجة وراء تعطيل تشكيل الحكومة. فالمتحدث باسم تكتل "لبنان القوى" - إبراهيم كنعان -قال أن التكتل لا يضع أي فيتو أو يتمسك بأي حقيبة، ما ينطبق عليه ينطبق على سواه بالنسبة للحقائب السيادية أو الأساسية". كلام المتحدث باسم تكتل لبنان القوى هو مجرد كلام فالحقيقة أن التكتل يتمسك بحقيبة سيادية – الخارجية على الأغلب – كغيره من جميع القوى السياسية.
رئيس الجمهورية يتمسك من جانبه بحصة يختار وزرائها من بينها وزارة الدفاع. المشكلة التي تواجه الحريري هذه المرة،هي أن رئيس الجمهورية يرغب في وزارة سيادية، "تكتل لبنان القوى - يرغب في وزارة سيادية، القوات اللبنانية ترغب في وزارة سيادية، الشيعة يرغبون في وزارة سيادية، والحريري يرغب في وزارة سيادية في كتلته، وهناك قوى أخرى ترغب في وزارات سيادية أو وزارات مهمة، والوزارات السيادية عددها لايكفي لإشباع نهم القوى السياسية.
البعض يرى أن هناك دولة إقليمية وراء تعطيل تشكيل الحكومة. لكن الحقيقة أن تكالب القوى السياسية اللبنانية على مسألة ما يطلق عليه اللبنانيون "التوزير" يجعل مهمة رئيس الوزراء المكلف شبه صعبة. قد يرى البعض أن مسألة اعتذار سعد الحريري عن تشكيل الحكومة غير واقعية وغير محتملة الحدوث حاليا وهو يرغب في أن يكون رئيسًا للوزراء، لكن الحقيقة هي أنه إذا رفضت القوى السياسية التنازل عن مطامعها في الحكومة، فإن الحريري قد يكون مضطرًا لمصارحة اللبنانيين بذلك ويعتذر عن رئاسة الحكومة.
وحتى إذا سلمنا جدلا بأنه من المبكر الحديث عن فشل الحريري في تشكيل الحكومة، فإن بوادر الفراغ الحكومة تلوح في الأفق، وعلى المتفائلين من اللبنانيين ألا يتوقعوا تشكيلا سريعا للحكومة، فالحريري قد يأخذ شهورا على أقل تقدير حتى يتمكن من تشكيل الحكومة، وقد يفشل في التشكيل في المرة الأولى ويعيد رئيس الجمهورية تكليفه مرة أخرى، ليظل السؤال الأبدي: أما آن لبعض القوى السياسية في لبنان أن تتعامل بشفافية مع القضايا السياسية، وأن تتنازل عن مطامعها في الحكومة، وأن تضع مصلحة الشعب اللبناني فوق المصالح الحزبية أو الطائفية؟