رئيس التحرير
عصام كامل

تسييس «إذاعة القرآن الكريم».. من «خلط الدين بالسياسة» إلى «تجديد الخطاب الديني».. على: ما يحدث «لعب بالنار» والأفضل تبني منهج توعوي.. الروبي: شبهات باطلة.. ورئي

إذاعة القرآن الكريم
إذاعة القرآن الكريم

في 29 مارس 1964، بدأت إذاعة القرآن الكريم في مصر بثها، كأول إذاعة إسلامية على مستوى العالم، مستهدفة نشر القرآن، ومبادئ الإسلام السمح وفي البداية كان القرآن المرتل مادة أساسية تسيطر على معظم وقت الإرسال.


وفوجئ المتابعون، في الآونة الأخيرة، بما وصفه البعض بـ"تسييس إذاعة القرآن الكريم"، وتطويع الدين لخدمة أغراض سياسية، خاصة بعد تقليص فترة «المصحف المرتل»، ومد ساعات البرامج المفتوحة، التي قد تتناول في محتواها قضايا سياسية، مصبوغة بصبغة دينية، فضلًا عن خلط برامج الفتاوى بالشأن السياسي بشكل لافت؛ ما يعد عودة إلى الخلط بين الدين والسياسة، في الوقت الذي تتبنى فيه الدولة مبادئ فصل الدين عن السياسة، وتجديد الخطاب الدينى.

السياسة حاضرة
الدكتور حسن على، عميد كلية الإعلام السابق بجامعة السويس، وأستاذ الإذاعة والتليفزيون، أكد أن إذاعة القرآن الكريم عندما أنشئت كانت لهدف ديني واضح ومحدد، وهو بث القرآن الكريم على مدار الساعة بدون أي برامج، وذلك منذ أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، صاحب فكرة إنشائها، لكن السياسة كانت حاضرة في الإذاعة منذ أول يوم أُنشئت فيه.

"السياسة مثل الهواء الذي نتنفسه".. وأوضح الدكتور "حسن على" من خلال جملته تلك، أنه بالرغم من هذا الهدف الديني الواضح والمُعلن، كان هناك هدف سياسي خفي من إنشاء إذاعة القرآن الكريم، حيث كان "عبد الناصر" متهمًا باليسارية والشيوعية وأنه ضد الدين، فرد على الناس ردًا عمليًا بإنشاء شبكة القرآن الكريم على الإذاعة المصرية، ويتضح من هذا أن هناك بعدا سياسيا وراء إنشاء إذاعة القرآن الكريم.

زيادة الرواتب
"بدأت البرامج تتسرب إلى الإذاعة واحدا تلو الآخر".. وأوضح أستاذ الإذاعة والتليفزيون أن السبب في ذلك كان إتاحة الفرصة لزيادة رواتب ودخل المذيعين بإذاعة القرآن الكريم مثل باقي زملائهم في الخدمات الأخرى، إلى أن وصلت نسبة المادة الكلامية حاليًا إلى 60%، وإذاعة القرآن الكريم 40% من جملة ما يتم تقديمه عبر الشبكة.

ويشير "على" إلى أن تسييس إذاعة القرآن الكريم بعد دخول البرامج واتساع مساحتها في الخريطة، لم يعد للأسف محسوبًا بدقة، متابعا: "أنا لست ضد أن تحتوي إذاعة القرآن الكريم على محتوى سياسي، لكن يجب أن يُدرس هذا الأمر بشكل جيد، وتنأى الإذاعة بنفسها عن الصراعات السياسية"، بمعنى أنه لو جاء برنامج سياسي على إذاعة البرنامج العام أو الشرق الأوسط، أو الشباب والرياضة، فيمكن أن يتناول السياسة بكل أبعادها ويدخل في مشاكلها، ويقدم الرأى والرأى الآخر، بينما إذا قدمت إذاعة القرآن الكريم محتوى سياسيًّا، فيجب أن تركز على الجانب التوعوي وبث الوعي، لأن عملية نشر الوعي في حد ذاتها سياسة، وهذا ما سيقبله المواطنون من إذاعة القرآن الكريم، وباستثناء هذا يعتبر "لعب بالنار".

خلط الدين بالسياسة
وعن خطورة خلط الخطاب الدينى بالخطاب السياسي غير التوعوي، يؤكد الدكتور حسن أن هذا يؤثر على مصداقية الدولة بأكملها، فدائما كانت دعوات الرئيس تتجه إلى فصل الدين عن السياسة، ووقف في وجه الإخوان بسبب أنهم استخدموا الدين مطية للسياسة، لذا فإذا قامت إذاعة من المعروف عنها أنها دينية متخصصة بعرض محتوى سياسي غير مدروس فالمسألة في منتهى الخطورة.

شبهات باطلة
الدكتور عصام الروبي، أحد علماء الأزهر الشريف، كان له رأي آخر، حيث أكد أن إذاعة القرآن الكريم، في هذا العصر، شهدت تطورا كبيرا، حيث تقوم بعملية تجديد للخطاب الديني في أسمى معانيه من خلال عدة برامج، منها: دقيقة فقهية، ومضة تفسيرية، وغيرها من البرامج الرائعة التي تقدم للناس الفهم الصحيح والرشيد للدين الإسلامي، لافتا إلى أن الإذاعة تستضيف العلماء من جامعة الأزهر ووزارة الأوقاف، ونخبة وكوكبة من العلماء المصريين وغير المصريين، لذا يشهد لها التاريخ على مر السنين السابقة أنها قلعة العلم الحصين.

"ما رأيناها يوما دخلت في السياسة لا من قريب ولا من بعيد"، هكذا نفى الروبي الاتهامات التي تثار حول الشبكة، مؤكدا أنها شبهات قائمة على الباطل ودعاوى كاذبة لا أساس لها في أرض الواقع، بدليل أن البرامج التي تذاع على الشبكة كلها تدور حول الفهم الصحيح لتفسير الآيات، وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، والعقيدة، والسيرة، حتى برامج الدين والحياة التي تستقبل بعض الاتصالات من الجمهور تكون بعيدة كل البعد عن السياسة.

عمل العالم الأزهري.. الدكتور عصام الروبي في إذاعة القرآن الكريم منذ نحو 10 سنوات، أكد أن كل من يعمل معه هم أساتذة محترمون، وأن البرامج التي تحتويها الشبكة هادفة، قائلا: "والله ما رأيت فيها تسييسا مطلقا".

ولفت الروبي أن شبكة القرآن الكريم لها الريادة على العالم بأكمله، فكان يُشار إليها بالبنان في مؤتمر دولي تم عقده منذ نحو 5 أشهر، وضم جميع إذاعات القرآن المتخصصة على مستوى العالم، واعتبرها الجميع معلمًا من معالم مصر الحضارية.

وأطيعوا أولى الأمر
من جانبه، أكد رئيس إذاعة القرآن الكريم، الدكتور حسن سليمان، أن إذاعة القرآن الكريم إذاعة تخصصية تهتم بالشئون الدينية فقط من عقيدة وتفسير وحديث ومعاملات، لكنها لا تتصل على الإطلاق بالجانب السياسي، بسبب أنها تعي وتعلم أن الدور السياسي منوط به الإذاعات الأخرى ونشرات الأخبار والمواد السياسية وما شابه ذلك.

وعن خروج المذيع عن إطار عنوان برنامجه، يؤكد سليمان أن هذا نوع من أنواع الخلل لا يحدث في إذاعة القرآن الكريم، لكن هناك بعض القضايا الملحة التي تخدم إطار الوطن مثل حب المواطنة والتعامل مع الآخر ومحاربة التطرف والإرهاب وما شابه ذلك، يتم تناولها في فترات مفتوحة بوجود ضيف معتدل في آرائه، ولكنها تبعد تمامًا عن أي شيء يتصل بالجانب السياسي، متابعًا أن هذا جانب توعوي، فعلى سبيل المثال وقت حدوث تفجيرات كنيسة طنطا، كانت إذاعة القرآن الكريم أول المبادرين بعمل فقرة مفتوحة مباشرة، للحديث عن كيفية التعامل مع الآخر، وكيف نحب وطننا، وكيف نعيش كلنا مع اختلافاتنا تحت مظلة واحدة على أرض وطننا الحبيب.

وبالنسبة لتطرق بعض الضيوف إلى الحديث عما يأمرنا به الرئيس السيسي، والدعوة إلى الاستجابة له، يقول رئيس الشبكة: إن هذا نادرا ما يحدث، ويمكن أن يكون الضيف تطرق له بغرض الأمر بـ"وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، وأن مثل هذه الأمور تأتي في مجمل الحديث وليست كموضوع رئيسي للحلقة أو للبرنامج، وهذا ليس معناه ربط الدين بالسياسة على الإطلاق.
الجريدة الرسمية