ماذا بعد أن «حنث» طارق شوقي باليمين الدستورية
نشهد الوزراء والمحافظين دائما وفور تعيينهم، وهم يؤدون اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية قبل مباشرة مهام مناصبهم الوزارية، وتذاع مراسم تأدية القسم الدستوري، على الجمهور من خلال التليفزيون، حتى يكون الكافة شهودا على قسم الوزير بأن يحترم الدستور والقانون.
ونعلم أن الدستور أو القانون لم يحدد عقوبة، لمن يحنث باليمين الدستورية ولا يلتزم بها، رغم أن الشهود في القضايا الجنائية يقسمون يمينًا قانونية كي تسمع شهاداتهم وإذا ثبت للمحكمة أن الشاهد أدلى بأقوال غير حقيقية عمدًا أصدرت حكمًا بحبسه 3 شهور وتصل العقوبة إلى السجن 15 عامًا إذا أدت شهادة الزور إلى إعدام متهم.
ورغم ذلك نجد أن الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم دأب على "الحنث" بالقسم الدستوري الذي أقسمه أمام الرئيس حيث امتنع عمدًا عن تنفيذ حكم القضاء الإداري رقم 46260 لسنة 71 قضائية رغم اتصال علمه اليقيني به، إلا أنه أحال الحكم لإدارة فتوى التعليم بمجلس الدولة لإبداء الرأي القانوني في كيفية تنفيذه فأصدرت إدارة الفتوى لوزارة التربية والتعليم فتواها التي جاء بها أن مقتضى تنفيذ هذا الحكم إنما يكون بعودة الطاعن إلى عمله الأصلي بصفته رئيسًا للإدارة المركزية للتعليم الثانوي والخاص والرسمي للغات تأييدًًا لحكم محكمة القضاء الإداري فيما قضي به.
الأمر الذي يتعين معه وجوب تنفيذ الحكم لا سيما أن هذا الرأي القضائي جاء بناءً وردًًا على مخاطبة الوزير للفتوى حول كيفية تنفيذ هذا الحكم، إلا أن طارق شوقي، بوصفه وزيرًا للتربية والتعليم ما زال يتعمد تعطيل تنفيذ الحكم رغم علمه بأنه لا يجوز لأى مسئول أو جهة مهما علا شأنها، أن تعطل أو توقف تنفيذ حكم نهائي.
الدكتور طارق شوقي ومستشاره القانوني يعلمان جيدًا أن تلك الأحكام القضائية واجبة النفاذ، ويتعين تنفيذها، نزولًا على حجيتها وإعلاءً لشأنها، الأمر الذي لا يسوغ معه قانونًا –مع نهائية الحكم –إعادة مناقشته، أو الامتناع عن تنفيذه، وإنما يتعين التسليم بما قضى به باعتباره عنوانًًا للحقيقة، لا سيما أن القانون قد رسم سُبلًا عدة للطعن في الأحكام ووقف تنفيذها، فإذا ما استُنفدت هذه السبل، أو لم يتم ولوجها، فلا مناص من المبادرة إلى هذا التنفيذ.
وفي هذا المقام تذكرت أيضًا إبان الحرب العالمية الثانية أن ناظرة مدرسة بريطانية أقامت دعوي أمام القضاء البريطاني تطالب بنقل مطار حربي قريب من المدرسة إلى مكان آخر لأن الطائرات عند اقلاعها وهبوطها تحدث صوتا يزعج الطلبة وفيه تعطيل للدراسة فضلا عن أن المطار الحربي يجعل من المنطقة هدفا للعدو لضربه بالقنابل مما قد يسبب خسائر في أرواح الطلبة الصغار ويصيبهم فقضت المحكمة البريطانية بنقل المطار الحربي إلى جهة أخرى بعيدة عن العمران مما أحرج السلطات البريطانية وبذلوا جهدا لإيقاف هذا الحكم دون جدوي.
وقاموا بعرض الأمر على رئيس الوزراء حينذاك "ونستون تشرشل" ليوقف تنفيذ الحكم بدعوى أن نقل المطار سيضعف الدفاع الجوي البريطاني عن أداء رسالته ضد العدو النازي، فرفض تشرشل هذا الطلب قائلًا: "خير لنا أن تخسر بريطانيا الحرب ولا أوقف تنفيذ حكم قضائي" إيمانا منه أن أحكام القضاء عنوان الحقيقة وإن القضاء العادل هو أساس الملك.
وكلنا نذكر الرئيس الأمريكي الأسبق "بيل كلينتون" وفضيحته الجنسية مع المتدربة السابقة في البيت الأبيض "مونيكا لوينسكي" عام 1997 حيث تشكلت لجنة من الكونجرس الأمريكي لمحاسبة رئيس الدولة العظمي ليس بسبب العلاقة وإنما لشكهم أن الرئيس كذب على شعبه، وظل العالم بأسره يتابع ذلك الحدث وغفر الأمريكيون لكلينتون وأعادوا انتخابه لدورة ثانية عندما تيقنوا أنه لم يكذب عليهم.
وبمناقشة الصديق الدكتور محمد إبراهيم أحمد، المحامي لدى محكمة النقض حول هذا الأمر قال: نريد من كل "وزير" أن يعي أن كلماته ستحسب عليه وألا يتفوه إلا بما يستطيع فعله حقًا، مؤكدًا على أهمية أن توضع مادة دستورية لمحاكمة من يقسم يمينًا دستوريًا ولم يلتزم بها أثناء ممارسته للسلطة، ليعلم الجميع أن العمل العام مغرم وليس مغنمًا، ولكي يعلو بناء الوطن لابد أن تكون المساءلة القانونية مقابلة لكل من يتولى منصبًا عامًا.
كي لا تتراكم الأخطاء وتصبح جرائم ويصبح الإصلاح مستعصيا ونصدق أن هؤلاء الوزراء بشر مثلنا وليسوا أشباه آلهة، يخطئون ويصيبون ويخضعون للقانون خاصة وقد اتفق المشرعون وأهل القانون على أن الإخلال بأي نص من النصوص الملزمة في مواد الدستور النافذ إنما هو إخلال بالتعهدات التي يلزم بها المسئول المعني باليمين الدستورية نفسه أمام الله وأمام رئيس الجمهورية والشعب، وهذا الإخلال إنما هو حنث باليمين يترتب عليه فقد الأهلية لشغل المنصب الذي أدى المعني بموجبه تلك اليمين، وهو أيضا انتهاك للدستور نفسه يوجب العزل أو الإعفاء.. وللحديث بقية.