رئيس التحرير
عصام كامل

يحيى قلاش : كثيرٌ من مواد «قانون تنظيم الصحافة» بها عوار دستورى وتخالف الدستور

فيتو

  • - "المادة 16" تقنن فصل الصحفيين
  • - الحوار الجاد حول القانون يجنب المجتمع حالة الانفجار
  • - لدينا أمل كبير لو اتخذت الجمعية العمومية للصحفيين موقفًا مناهضًا للقانون 
  • - كنت أتصور أن تستدعي لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان مجلس نقابة الصحفيين ولكن لم يحدث 
  • - الجماعة الصحفية انتصرت في معركة قانون ٩٣ لسنة ١٩٩٥ بعد نضال دام ١٣ شهرًا
  • - 10 يونيو "عيد الصحفي تحول إلى "نكسة" بسبب مشروع القانون
  • - القانون الجديد يفتح ثغرة للحبس الاحتياطي

تقسيم وتجميد، ثم موافقة مبدئية تصدر بين عشية وضحاها، هي دورة حياة مشروع قانون الصحافة والإعلام تحت قبة البرلمان، والتي بدأت قبل عام ونصف العام، عندما أعلنت لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب تقسيم قانون الصحافة الموحد، في انتهاك واضح لحالة التوافق التي تمت بين الجماعة الصحفية والإعلامية على مدى ما يقرب من عامين، ومن خلال حكومتين متعاقبتين.. إجراءات أفرز عنها القانون التنظيمي للعمل المؤسسي للصحافة والإعلام، وما اسموه قانون تأسيس الهيئات الوطنية الثلاث؛ "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام".

ما يزيد على عام والجماعة الصحفية تنتظر إقرار البرلمان لقانون تنظيم الصحافة والإعلام، ما بين تسويف اللجنة المعنية، ووعود بأنه سيخرج بالشكل الذي يرضي الجميع، إلى أن جاء ١٠ يونيو الماضي، بالتزامن مع احتفال الصحفيين بعيدهم، ووافق البرلمان فجأة، بشكل مبدئي، على مشروع قانون ذي هوية جديدة، يعطي صلاحيات للهيئات الوطنية الثلاث، ويضيق الخناق على المؤسسات القومية وعموم الصحفيين، بل وتنال بعض مواده من حرية الرأي والتعبير الحق الذي كفله الدستور.

للكاتب الصحفي الكبير يحيى قلاش، نقيب الصحفيين السابق، أحد شيوخ المهنة، له رؤية شاملة عن القانون ومثالبه، وما يسلبه من ضمانات ومكتسبات منحها الدستور للصحفيين ويطمسها القانون ويتغول عليها، موضحًا في حوار لـ«فيتو»، بشكل أكثر تفصيلا، المواد الخلافية التي تشكل خطورة على مستقبل الصحافة في مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام، ومشروعات القوانين المتعلقة بعمل الهيئات الوطنية الصحفية والإعلامية.


• تقييمك لقانون تنظيم الصحافة والإعلام الذي وافق عليه البرلمان بشكل مبدئي؟
- القانون، في مجمله، ردة وعودة إلى الوراء، ويلتف تمامًا على كل المكتسبات والضمانات غير المسبوقة التي أعطاها الدستور للصحافة والإعلام، حتى مشروع قانون اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية – لجنة الخمسين- تم تصفيته وفُرِّغ من مضمونه، وعلى رأسها المواد التي تم التوافق عليها من قبل الجماعة الصحفية والحكومة، وبها صياغات إيجابية، بعد تفاوض دام ما يقرب من عامين، مع حكومتين متعاقبتين.

• ما مدى خطورة المادة ١٦ المتعلقة بفصل الصحفي، في الوقت الذي يعلن فيه البرلمان أنها وُضِعت لحماية أبناء المهنة؟
- المادة ١٦ وُضِعَت لتُقَنِّن فصل الصحفي، لاسيما أنها أعطت النقابة ٣٠ يومًا للتوفيق، إذا لما تنجح خلال هذه المدة القصيرة، وإذا تقاضى الصحفي راتبه خلال هذا الشهر، مع بداية اليوم ٣١ تتم إجراءات الفصل، وهذا كله أقل من الضمانات الموجودة في قانون العمل ذاته، وكذلك يتعارض مع قانون نقابة الصحفيين ٩٦ لسنة ١٩٩٦، والذي ينص على أنه لا يجوز فصل الصحفي من المؤسسة الصحفية التي ينتمي بها إلا بعد أن تقوم النقابة بدور التوفيق، وترك المدة مفتوحة أمام النقابة للتفاوض والتسوية وإلغاء قرار الفصل.

• هل سبق وقُنِّن تشريع الحبسُ الاحتياطي في قضايا النشر؟
- نعم، ولكن ناضلت الجماعة الصحفية منذ عام ١٩٣٥ حتى عام ١٩٧٠ إلى أن ألغت الحبس الاحتياطي للصحفي، الذي كان يُستخدم لترويع الصحفيين والتنكيل بهم، والذي يمتد الآن إلى ما يزيد على 4 سنوات، فالقانون الجديد فتح ثغرة للحبس الاحتياطي، وبخاصة أن فلسفة تطبيقه تعتمد على التخوف من طمس وتغيير معالم الجريمة، والإفلات من العقاب وعدم وجود محل عمل أو إقامة معلوم، وهذا ما لا ينطبق على الصحفيين، ممن يعملون في مؤسسات يعلم الجميع أين تقع مقراتها، وكذلك أن جريمة النشر تكون منشورة، ولا يمكن التغيير أو التعدي على محتواها.

• ما مستقبل المؤسسات القومية حال التصديق على القانون؟
- المؤسسات الصحفية القومية مستقبلها بات على المحك، فمواد مشروع القانون تفتح الباب أمام النيل منها، بإعطاء حق إلغاء ودمج المؤسسات والإصدارات الصحفية، طبقا لنص المادة «٥» من المشروع، وهو ما يمكن أن يمهد لسيطرة الإعلام الخاص على المجال الصحفي والإعلامي، ويخل بالتوازن الذي يمكن أن يحققه بقاء الصحافة القومية، ويدعم هذا الاتجاه أن المشروع جاء ليكرس هيمنة الهيئة الوطنية للصحافة على الجمعيات العمومية ومجالس الإدارة لتلك المؤسسات، من خلال الحديث عن جمعيات عمومية يترأسها رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، وعزل مجالس إداراتها، وتقليص أعداد ممثلي الصحفيين والعاملين المنتخبين وزيادة أعداد المعينين من خارج المؤسسات، فضلا عن تجاوزه لعدد من المكتسبات التي حققها الصحفيون بنضالهم وطالبت بها الجمعيات العمومية لنقابتهم، ومنها حق المد الوجوبي للصحفيين إلى سن «٦٥»عاما.

• هل هناك تعارض بين مواد مشروعات القوانين الخاصة بتنظيم الصحافة وصلاحيات الأعلى للإعلام والوطنية للصحافة وحرية الرأي والتعبير؟!
- بالتأكيد، مشروعات القوانين، بنصوصها الحالية، تصادر ما تبقى من مساحات للتعبير عن الرأي، وتخل بتعهدات مصر الدولية، عبر مواد تجافي روح الدستور ونصوصه المتعلقة بحرية الصحافة، ومن خلال تعبيرات مطاطة تتسع لتجريم كل صاحب رأي، فالمادة «١٩» هي مادة تتعارض مع الدستور ذاته الذي كفل حرية الرأي والتعبير، وبخاصة أنها تعطي صلاحيات كبيرة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والحق في الحجب والدمج، ومراقبة ومحاسبة مواقع التواصل الاجتماعي، سواء موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه 5 آلاف متابع أو أكثر.

• ما أبرز المواد الخلافية في مشروع القانون الجديد الخاص بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام؟
- المواد (٥ و١٠ و١٩ و٢٩) من مشروع قانون المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، تعد بمثابة مصادرة للعمل الصحفي، فضلا عن مخالفتها لنصوص الدستور؛ إذ سيطرت فلسفة الهيمنة والمصادرة على مواد القانون، عبر التوسع في استخدام العبارات المطاطة، مثل: مقتضيات الأمن القومي، والدفاع عن البلاد، ومعاداة مبادئ الديمقراطية، والتعصب الجهوي، أو التحريض على مخالفة القانون، طبقا لنصوص المشروع، وهو ما يفتح الباب أمام إمكانية استخدام تلك العبارات الغامضة للنيل من حرية الصحافة، وعودة المصادرة من جديد، كما تسمح مواد القانون المذكور بتقنين سياسات الحجب بقرارات إدارية ولأسباب واهية، وتفتح الباب على اتساعه لهيمنة الرأي الواحد وإقصاء المخالفين في الرأي، من خلال فرض سطوة المجلس الأعلى للإعلام على كل ما ينشر على الإنترنت بشكل عام، بما فيها الصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنحه الحق في وقفها وحجبها، واتخاذ إجراءات بشأنها، وهو ما يشكل عدوانا مباشرا على حق المواطنين في التعبير عن آرائهم.

• هل يواجه مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام إذا صدر على هذا النحو شبح الإسقاط؟
- نعم، فكثيرٌ من المواد بها عوارٌ دستوريٌّ، ومخالفة لصحيح الدستور ونصوصه، ولاسيما أن القانون الجديد يخلط بين قانون العقوبات وتنظيم الصحافة، لم يصدر قانون لتنظيم المهنة تحدث من قبل عن غلق الموقع أو الجريدة في حال إذا نشر أخبارا كاذبة، وبالتالي يتحول القانون من الدفاع عن المهنة وأبنائها، إلى قانون معاقبتها، وهو ما يوضح أن فلسفته قائمة على القيد، وأن الصحفي مدانٌ حتى يثبت العكس، وهو ما يخالف القاعدة القانونية التي تفترض حسن النية، وأن الصحفي يكتب للصالح العام.

• فيما تكمن خطورة مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام؟
- مشروع القانون خطورته تمتد إلى ما هو أكبر وأشمل من الجماعة الصحفية، وستصل إلى المجتمع ككل، وذلك لطبيعة مهمة الصحافة والإعلام، التي تخلق نوعًا من إدارة الحوار الجماعي، وتبصر المسئولين بالمشكلات والحلول، وبالتالي فإن التكميم يؤدي بالتبعية إلى الانفجار، وهذا ما لا نتمناه.. أتذكر أن التقرير الصادر عن لجنة تقصي الحقوق عقب ثورة يناير مباشرة، والتي شكلها الفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء آنذاك، أشار إلى أن التضليل الإعلامي، كان أحد أسباب انتفاضة الجماهير في ٢٥ يناير، وأرى أن السبيل الوحيد الديمقراطي الآن هو الحوار الصحي الجاد، فمن شأنه أن يمنع حالة الانفجار، التي ربما تحدث نتيجة التضييق والقيد.

• إذن برأيك ما المخرج وما البدائل لتحسين مواد هذا التشريع؟
- مازلنا أمام مشروع قانون لم يصدر بعد، ولدينا أمل كبير لو اتخذت الجمعية العمومية للصحفيين موقفًا مناهضًا للقانون، بقيادة نقابة الصحفيين، وخلقت حالة حوار حوله، فلا يمكن أن يصدر قانون بهذه الخطورة وهذه الأهمية دون حوار، وكنت أتصور أن تستدعي لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان مجلس نقابة الصحفيين، وشيوخ المهنة وكبار الصحفيين، بالإضافة إلى ممثلين عن الرأي العام، ولكن لم يحدث، ورغم ذلك فهناك فرصة، والجماعة الصحفية انتصرت في معركة قانون ٩٣ لسنة ١٩٩٥م بعد نضال دام ١٣ شهرًا، ونجحوا في نهاية المطاف في إسقاطه.

• ما أهمية دور نقابة الصحفيين في خلق حالة حوار حول القانون؟
- لابد أن تقود نقابة الصحفيين الجماعة الصحفية، كما فعل مجلس النقابة للتوعية بخطورة القانون ٩٣ لسنة ٩٥، حيث اجتمع في اليوم الذي صدر فيه القانون، واتخذ عددًا من الإجراءات، واستدعت الجمعية العمومية التي استجابت، وظلت منعقدة لمدة ١٣ شهرًا، في هذه الفترة التقى مجلس النقابة حينها وشيوخ المهنة رئيس الجمهورية مرتين، وكذلك الدكتور عاطف صدقي، رئيس الحكومة آنذاك، ومن بعده الدكتور كمال الجنزوري، وكذلك رئيسي مجلسي الشعب والشورى، وكان الدكتور أسامة الباز، مستشار رئيس الجمهورية الأسبق، هو الوسيط بين الجماعة الصحفية والدولة، وأسفر كل هذا عن نجاح حالة الحوار والتفاوض، وأُسقط قانون «اغتيال الصحافة».

• هل هناك رسالة وراء موافقة البرلمان على هذا القانون بالتزامن مع عيد الصحفي، ومرور٢٢ عامًا على إسقاط قانون ٩٣ لسنة ٩٥؟
- مرافقة غريبة أن يوم ١٠ يونيو "عيد الصحفي"، يتحول إلى "نكسة" ٥ يونيو، إلا إذا كان الهدف العقاب بأثر رجعي من موقف اتخذه الصحفيين سنة ١٩٩٥، وليس من مصلحة أي نظام أن يجبر المجتمع والجماعة الصحفية والإعلامية على قبول قانون بهذا الشكل، يمثل خطرًا كبيرًا على الدولة كلها.

• رسالتك للصحفيين؟
- أؤمن بأن شباب الصحفيين رغم أجواء القتامة وحالة اليأس، قادرون، سواء الآن أو فيما بعد، على تصحيح ما أفسدته هذه القوانين، وأن يصنعوا أهم وأكثر مما صنعه شباب ١٠ يونيو ١٩٩٦.

الحوار منقول عن بتصرف النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية