مبادرة «هاني الناظر»
المواقفُ وحدَها هي التي تُظهر معادن الرجال، وتعكسُ جوهرَهم الحقيقي، بلا زيفٍ أو تزويرٍ، "أثرياءُ الأزماتِ" كانوا يترقبون منذ أيامٍ صدورَ "الفرمان الحكومي" برفع أسعار الوقود، ليُضاعفوا أسعارَ مُنتجاتهم ومبيعاتهم، وفورَ صدور "الفرمان"، صباح اليوم الثاني من عيد الفطر، استغلوا الموقفَ، كعادتهم دومًا، أسوأ استغلال، وأصدروا فرماناتٍ مُشابهة، ضاعفوا بها آلامَ أصحابِ الدخول المحدودة.
"أثرياءُ الأزمات" مثلُ أثرياء الحروب، لا يملكونَ ضمائرَ تلومُ، أو قلوبًا ترحمُ، لا يشغلُهم سوى انتزاع آخر جنيهٍ في جيب "المشتري / المُستهلك"، يتعاملون معه باعتباره "فريسة" يجب صيدُها، الفقراءُ في مصرَ، يعيشونَ بين "مطرقة الحكومة"، و"سندان أثرياء الأزمات"، كلاهما بلا رحمةٍ أو شفقةٍ.
"أثرياءُ الأزمات" ليسوا فقط أصحابَ المتاجر ومَن يحتكرونَ الطعامَ والشرابَ، لكنهم يشملون كلَّ مَنْ يُقدم أو يبيع خدمة، بدءًا من سائقي الأجرة، مرورًا بُمحتكري الغذاء والدواء، وصولًا إلى الأطباء، وبينما كانَ البسطاءُ يُخططون كيفَ يواجهونَ شبحَ الأيامِ المُقبلة، كان "أثرياءُ الأزمات" يرفعونَ أسعارَ ما ملأوا به مخازنَهم في الشهور الماضية "بعلم الحكومة أو بتجاهلها"، كما سارع أطباءٌ صغارٌ برفع " الفيزيتا" الخاصة بهم.
الاستثناءُ الوحيدُ، في حدود معلوماتي، جاءَ منْ خلال مبادرةٍ إنسانيةٍ شخصيةٍ مُعتادةٍ أطلقها الطبيبُ المعروفُ الدكتور "هاني الناظر"، الذي جعلَ من صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، في السنواتِ الأخيرة، منصَّة طبيَّة، يجيبُ منْ خلالِها على موجاتٍ مُتدفقةٍ من الاستفساراتِ والتساؤلات الطبية التي تدورُ في فلكِ تخصُّصِه، بصدرٍ رَحبٍ، ودونَ ضيقٍ أو مللٍ.
الطبيبُ الكبيرُ، نشرَ على صفحته الشخصية، فور صدورِ فرمان رفع الأسعار، منشورا شدد خلاله على أنه لن يستغلَّ الظروفَ، وسوف يُبقى على أسعار الكشف في عيادتِه الخاصَّةِ دون زيادة، فضلًا عن تخصيص فتراتٍ أطولَ للردِّ على الاستفساراتِ الطبيةِ عبر "فيس بوك".
هذه المبادرةُ الإنسانية جديرةٌ بإلقاء الضوء عليها وإبرازها، ليس تقديرًا لصاحبها فحسبْ، لكن لعلَّ نفرًا من "أثرياء الأزمات" يخجلونَ من أنفسهم، ويعيدون حساباتِهم، ويتخلَّون عن أطماعهم، ويشعرون بأبناء وطنهم، وإذا تخلتْ الحكومة عن الفقراءِ، وألقتْ بهم في غياهب الغلاء، فلا ينبغي أنْ يشاركَ الشعبُ في هذه الجريمةِ النكراء، يجبُ أنْ نرحمَ أنفسَنا ونرفقَ بها، فالأوضاعُ السيئة لا تدومُ أبدَ الدهر، والشعبُ باقٍ، والحكوماتُ إلى زوالٍ.
الانتهازيون ليسوا بشرًا ولا يعرفون عن الإنسانيةِ شيئًا، تعلموا من مبادرة الدكتور "هاني الناظر"، لا تمارسوا الانتهازية مع شعبٍ يعيشُ نصفُه تحتَ خطِّ الفقر، فالراحمونَ يرحمُهم اللهُ.